من البدهي أن نقول إن محمود عباس هو الشخص الأكثر علمًا بأن الانتخابات التشريعية لن تحدث في هذا العام. وهو يعلم أن دعوته للانتخابات مقرونة بحل المجلس التشريعي القائم ليست إلا حقًا أريد به باطل. وإن همه الأول هو الحصول على قرار الحل، والقفز لاحقا عن الانتخابات، وخطته التكتيكية هي تحميل حماس أو (إسرائيل) مسئولية تعطيل الانتخابات. إما بالزعم أن حماس رفضت الانتخابات، ومنعتها في غزة، فإن وافقت حماس عليها فعندها سيقول إن ( إسرائيل) رفضت إجراءها في القدس.
عباس يعلم ما يريد مسبقا، فهو صاحب الخطة، وهو المنفذ لها، وفي الحالتين هو ذاهب إلى حكومة فتح، أو حكومة منظمة التحرير، إن وافقته فصائل اليسار على ذلك، وذاهب إلى المجلس المركزي بديلا عن التشريعي، وعندها يتم الخلاص من غزة، وإلقاؤها على حماس، ومحاصرتها بالعقوبات، وتحميل حماس مسئولية الانفصال أيضا.
عباس يرى أن الشيطان يكمن في غزة، وفي حماس، وهو يمكنه التفاهم مع نتنياهو وقادة الصهيونية ولا يمكنه التفاهم مع حماس، وقادة غزة، الذين تمردوا على قراره التفاوضي، واختاروا حمل السلاح والمقاومة. عباس يرى الشيطان شريكا، ولا يرى في حماس والجهاد شريكا؟! هو يرى تل أبيب، ولا يرى غزة بعينيه، فغزة بالنسبة له أرض ملعونة كما تقول التوراة؟! وهو ربما يؤمن بما تقوله التوراة عن غزة، ولا يؤمن بما يقوله الإخوان عن غزة وأنها أرض مباركة.
المال القطري في إعلامه هو مال إسرائيلي، وهو مال حرام لا يجب أن تستعين به غزة للتغلب على مشاكلها، والمال الذي يتلقاه هو من (إسرائيل) أو الدول المانحة هو مال حلال، وإنفاقه على حاشيته وموظفي فتح حلال كحليب أمه عليه؟! حين قبلت حماس المال القطري كانت مخطئة، وحين رفضته للشروط الجديدة الابتزازية كانت مخطئة أيضا. إذًا متى يمكن لحماس أن تكون مصيبة في نظره، ونظر حاشيته؟!
إذا تخلت حماس عن المعابر لصالح الشراكة الوطنية فهي مخطئة، وإذا استعادت المسئولية المباشرة عن المعابر كما يتمنى تجار غزة فهي مخطئة؟! وقديما قالوا صاحب الفم المرّ المريض، يرى الماء الزلال مرا وعلقما. لن تنجح خطة عباس للاستفراد بالحكم، وبمؤسسات السلطة حتى لو نجح في تشكيل حكومة منظمة التحرير كما يزعمون، وسيبقى المجلس التشريعي في غزة قائما، ورمزا لوحدة غزة والضفة. ولا حل أمام فتح وعباس إلا حياة ديمقراطية حقيقية لا انتقاء فيها، ولا خيانة، ولا تفرد. ومن الخطأ اتخاذ المنظمة تيسًا مستعارًا لتحليل الزواج الباطل؟!