فلسطين أون لاين

هل يكون منتدى غاز شرق المتوسط جسر (إسرائيل) للخليج؟

...
القاهرة - الجزيرة

أعلن وزراء الطاقة بسبع دول الاثنين الماضي قيام "منتدى غاز شرق المتوسط"، بهدف إنشاء سوق إقليمية للغاز، وترشيد تكلفة البنية التحتية، وتقديم أسعار تنافسية. فكيف حصل ذلك؟ وما تداعياته؟

منذ أكثر من عام، وبالتحديد في الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2017، التقى وزراء الطاقة من أربع دول: إيطاليا، وقبرص، واليونان، و(إسرائيل) -الدول غير العربية بالمنتدى- لدراسة اقتراح طموح لمشروع خط أنابيب عبر قاع البحر الأبيض المتوسط تقارب تكلفته 7.4 مليارات دولار، ويستغرق بناؤه أكثر من ست سنوات.

لكن المجتمعين وجدوا أن العقبة الرئيسية تتمثل في تركيا التي لن تسمح بمرور خط أنابيب عبر قبرص أو في قاع البحر من خلال منطقتها الاقتصادية الحصرية بسبب عدم وجود حل لتقسيم الجزيرة المتنازع عليها منذ عام 1974.

وقبل نحو ثلاثة أشهر، وقّع وزير الطاقة المصري ونظيره القبرصي خلال اجتماع بالعاصمة نيقوسيا اتفاقا حكوميا لإنشاء خط أنابيب تحت البحر يربط حقل "أفروديت" البحري للغاز الطبيعي بمصنع إسالة مصري.

وجاء الدعم الأوروبي لتلك الخطوة سريعا عبر تأكيد شارلوت برونوفيل ممثلة المفوضية الأوربية دعم الاتحاد الأوروبي بقوة لتلك الاتفاقية كمساهمة قوية لتنويع مصادر القارة العجوز من الغاز.

فرصة لـ(إسرائيل)

ورأت الولايات المتحدة أن التعاون على صعيد الغاز الطبيعي يعود بالفائدة على حلفاء أميركا –التي تريد تحدي هيمنة الغاز الروسي- وأن إدماج (إسرائيل) في اتفاقات غاز شبيهة يعد الآن أكثر جدوى بكثير من مبادرات السلام التي تتصدر العناوين لأسابيع، وربما لشهور وتنتهي للاشيء.

ومن وجهة نظر مالية خالصة، تفضل شركة نوبل إنرجي الأميركية -التي تمتلك الحصة الأكبر (نحو 40%) في حقل "ليفياثان"- إسالة الغاز لتصديره بدل بيعه في السوق المحلي والانضمام إلى خط الدائنين الطويل في مصر، حسب تقرير نشره سايمون هندرسون" مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.

ويعتقد هندرسون أن اكتشاف الكيان الإسرائيلي حقل "ليفياثان"، الذي يبعد عن شواطئ ميناء دمياط المصري نحو 130 كيلومترا، وتقدر احتياطاته بـ 22 تريليون قدم مكعبة، بالإضافة إلى حقل تمار الذي يحوي 11 تريليون قدم مكعبة من الغاز؛ جعله -الكيان الإسرائيلي- يطمح إلى تصدير الفائض إذا تم إنتاج الغاز بكميات أكبر.

ويبقى أفضل خيار لها على الأرض هو مصر، وتساعدها في ذلك الاتصالات العسكرية والاستخباراتية الوطيدة بين مصر وكيان الاحتلال منذ وصول عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم، على حد هندرسون.

كل هذه المعطيات ربما مثلت دافعا قويا –مع دوافع أخرى- للدول السبع كي تسير في اتجاه تدشين المنتدى المعلن عنه، لكن لماذا تم اختيار القاهرة مقرا للمنتدى؟

محورية مصر

بالإضافة إلى موقع مصر المتميز جغرافيا، فإنها تمتلك أوراق لعب سياسية تعزز رغبتها في أن تصبح سوقا إقليمية للطاقة بالشرق الأوسط، وتمكنها من لعب دور محوري في منتدى غاز شرق المتوسط؛ وأبرزها أنها تمثل–بحكم اتفاقات وعلاقات وطيدة مع (تل أبيب) الآن- جسر التطبيع الأول الذي تعبر عليه (إسرائيل) إلى الوطن العربي، خاصة الخليج، في ظل أجواء بالسعودية والإمارات يعتبرها المحللون الأنسب لإحلال السلام الذي تحلم به دولة الاحتلال منذ سبعين عاما.

بل إن تقريرا آخر لهندرسون نشره معهد واشنطن أشار إلى إبلاغ وزير الطاقة السعودي خالد الفالح المراسلين الصحفيين أواخر عام 2017 بأنه مهتم باستبدال النفط بغاز البحر المتوسط كوقود لتوليد الطاقة، وهو ما فهم منه هندرسون أن الغاز الإسرائيلي ربما يصل –يوما ما- إلى السعودية من خلال غاز "مسال صنع بمصر".

وتمتلك مصر أيضا احتياطات غاز اكتشفت مؤخرا ستغير قواعد اللعبة في سوق الغاز، حسب ما أشار تقرير نشرته مجلة ناشيونال إنتريست (the national interest) المتخصصة.

التقرير لفت إلى أن حقل الغاز "نور" الذي تم اكتشافه قبالة سواحل شمال سيناء وأعلنت عنه شركة إيني الإيطالية؛ سيرفع احتياطي الغاز المصري إلى 4.4 تريليونات متر مكعب من الغاز، وهو ما سيضع مصر في مستوى دول كبيرة الإنتاج مثل نيجيريا، والجزائر.

عراقيل تركية

يؤكد الخبراء والمتابعون أن تركيا الوحيدة التي تمثل عائقا في وجه الطموحات المصرية ومنتدى دول غاز شرق المتوسط، ورأوا في تعليق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على اتفاق تصدر (إسرائيل) بموجبه 64 مليار متر مكعب من الغاز إلى مصر بأن القاهرة "أحرزت هدفا"؛ أنه إدراك من مصر للطموحات التركية لتكون مركزا إقليميا للطاقة بالمنطقة.

ويزعم الخبراء أن فرصة مصر تفوق تركيا في لعب هذا الدور، ويدعمها في ذلك موقعها الجغرافي، وقناة السويس، بالإضافة إلى الاكتشافات الكبيرة لحقول مليئة بالغاز الطبيعي، في مقابل خلافات سياسية بين تركيا، وجاراتيها قبرص واليونان، والتباعد بينها وبين كيان الاحتلال مؤخرا.

غير أن تركيا –حسب الخبراء- ما زالت تملك أن تكون مركزا لنقل الطاقة بين إيران وروسيا -عمالقة إنتاج الغاز في العالم- والعراق، وغيرها من الدول، سواء للاستهلاك أو التصدير.

وبالفعل، اتفق الأتراك العام الماضي مع روسيا على نقل الغاز إلى جنوب أوروبا عبر أنابيب غاز في قاع البحر الأسود.

ورقة أخرى تملكها تركيا في سبيل عرقلة أو تعطيل طموحات المنتدى تتمثل في قدرتها على منع قبرص من استغلال حقول الغاز بها، وهددت أنقرة مرارا باستخدام القوة لمنع سفن كانت في طريقها للتنقيب عن الغاز شرق البحر المتوسط لصالح اليونان.

وخرجت التحذيرات والتهديدات من أعلى سلطة بتركيا، متمثلة في رئيسها رجب طيب أردوغان، الذي قال غير مرة "لن نقبل محاولات استخراج الموارد الطبيعية في بلادنا، قبرص أو في شرق البحر المتوسط".

سكرتارية للغاز

خبير في الطاقة المتجددة –رفض ذكر اسمه- قال إنه من السابق لأوانه الجزم أو التنبؤ بأثر منتدى غاز شرق المتوسط على سكرتارية منتدى الدول المصدرة للغاز، الذي فازت قطر باستضافة مقره مؤخرا، لأن منتدى شرق المتوسط لم يتخط طور الإعلان عنه بعد، وما زلنا لا نعرف أدوات أو آليات الدول الأعضاء للسير في تنفيذ أهدافهم التي أعلنوها.