على أحد أسرَة قسم الكلى بمستشفى الشفاء بغزة، يجلس الحاج إبراهيم أبو عاصي المصاب بالفشل الكلوي لإجراء جلسة غسيل كلى لأربع ساعات متواصلة بواسطة جهاز طبي يعمل بالكهرباء بمستشفى الشفاء بمدينة غزة، وفي قسم حضانة الأطفال هناك طفل بين عشرات الأطفال الخدج يزن 900 غرام, أبصر الحياة أول أمس وحصل كغيره من الأطفال على مادة "سيرفاكتنت" التي تساعد الرئة على التنفس.
فيما ترسل أجهزة العناية المكثفة بشكل متواصل إشارات التخطيط للحالات الخطيرة المنومة على أسرتها.. تلك النماذج المنتشرة بجميع مستشفيات القطاع باتت مهددة بالتوقف بعد دخول العديد من المستشفيات في عين الأزمة نتيجة قلة الوقود اللازم لتشغيل مولداتها والذي لا تتجاوز نسبته حاليا 20%.
لا يتخيل الحاج أبو عاصي توقف عمل هذه الأجهزة، نتيجة أزمة الوقود .. "كلما نقصت الكهرباء على المستشفيات فهذا موت بطيء، يكفي ما تقوم به السلطة برام الله من التضييق علينا وحرماننا من الأدوية". يقول لصحيفة "فلسطين".
وأحيانا يضطر الحاج أبو عاصي للانتظار لنحو ساعة لحين تشغيل المولدات وبدء عملية الغسيل، أو أربع ساعات بانتظار وصول مياه ومواد التعقيم.
بجواره يقترب الحاج سالم أبو جراد من انتهاء جلسة الغسيل بعد أربع ساعات متواصلة جلسها على السرير الطبي، وهو يتخوف من تطور أزمة وقود المولدات في المستشفيات وتأثيرها على قسم الكلى.
وقال أبو جراد لـ"فلسطين": "أصبت بالفشل الكلوي قبل أربع سنوات، ومنذ ذلك الحين أخضع لجلسات غسيل كلى ثلاث مرات أسبوعياً دون انقطاع، وأي انقطاع سيهدد حياتنا بالموت الحتمي لأنني كغيري من المرضى تكيفت على جلسات الغسيل ولا أستطيع الاستغناء عنها" قال.
الحكيم بقسم الكلى الصناعية يوسف أبو حسين يوضح من ناحيته، أن قسم الكلى الصناعية يعتمد بشكل أساسي على أجهزة غسيل الكلى الكهربائية، التي تعتبر روح أو حياة المريض، فأي نقص أو خلل في الكهرباء سيتسبب بمشكلة وإرباك كبير في العمل ويهدد حياة المرضى.
أطفال خدج
ومن الكلى إلى قسم الحضانة؛ في هذا القسم لا يمكن توقف هذه الأجهزة عن الكهرباء، فهي تمثل وعاء الأم للأطفال الخدج الذين يحتاجون للتنفس الصناعي على مدار الوقت، فمن خلال هذه الحضانة يتم تغذية الطفل بالحليب، وتنظيم درجات الحرارة.
تقول رئيس قسم الحضانة بمستشفى الشفاء حنان الوادية: "إن كل حاضنة متصلة بأجهزة قياس نبضات القلب وأكسجين وضغط الدم، حتى الحليب يعطى بواسطة حقنة عن طريق الجهاز الكهربائي".
أثناء وجود صحيفة "فلسطين" في قسم العناية المكثفة، كان الأطباء يبذلون جهدا كبيرا في متابعة حالة مريض خطرة، تتأمل عائلته في الخارج أن تستقر حالته، لكن رئيس قسم التمريض بمجمع الشفاء الطبي الحكيم محمد البطش يحذر من خطورة أزمة الوقود على حياة مرضى العناية المكثفة، خاصة أن هذه الغرفة تحتوي على أجهزة مراقبة لحالة المريض وأجهزة تنفس صناعي تحتاج لتيار كهربائي متواصل.
عين الأزمة
من جانبه، يقول المتحدث باسم وزارة الصحة أشرف القدرة: إن "هذه الأزمة الحادة التي تعصف بكل المرافق الصحية نتيجة توقف المنحة القطرية للوقود في نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي"، مشيراً إلى أن الوزارة منذ توقف المنحة تقوم بإجراءات تقشفية قاسية لإطالة الخدمات في كل المرافق في ظل عدم توفر استجابات لاستمرارها.
وأوضح القدرة لصحيفة "فلسطين" أن قلة الوقود أدخلت المرافق الصحية في "عين الأزمة"، ودخلت مرحلة العد التنازلي في توقف المولدات في العديد من المرافق لاسيما الهلال الأحمر الإماراتي الوحيد بمحافظة رفح الذي يغطي خدمات النساء والولادة.
وحذر من أن مستشفى بيت حانون شمال القطاع دخل في مرحلة العد التنازلي، وأن قلة الوقود تلاحق كل المرافق الصحية التي ستدخل في أزمة شديدة ومرحلة العد التنازلي، التي تهدد خدمات وأقساما حساسة في مستشفيات القطاع.
ونبه إلى أن الأزمة تهدد 800 مريض بالفشل الكلوي، يرتادون 128 جهازا طبيا لغسيل الكلى بالمستشفيات، و120 طفلا من أطفال الخدج بداخل حضانات الأطفال حياتهم مرتبطة بتلك الحضانات التي تمثل لهم الحياة الكاملة، فضلا عن 100 مريض بالعناية المكثفة مرتبطة بأجهزة طبية وأجهزة تنفس صناعي، وحرمان آلاف المرضى من آلاف الفحوصات من خلال 50 مختبرا طبيا بالمستشفيات.
وعوضا عن ذلك تهدد أزمة نقص الوقود بتوقف 10 بنوك دم، وشلل تام في أقسام الخدمات التشخيصية لآلاف المرضى يوميا، وتوقف محطات الأكسجين التي يحتاجها الآلاف من المرضى في أقسام حساسة، وتوقف خدمات التعقيم، والخدمات المساندة والغسيل داخل المستشفيات والمرافق الصحية.
ولفت القدرة إلى أن نسبة الوقود المتوفرة لا تتجاوز 20%، مشددا على أنه يتوجب على الجميع على المستوى المحلي والإقليمي والدولي تجنيد طاقاتهم بشكل فوري لتطويق الأزمة وتوفير الوقود للقطاع.