تجاهر السلطة برام الله وأجهزتها الأمنية بالتنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، رغم الإجماع الوطني على تجريمه وتحريمه، ضاربة بعرض الحائط بقرارات المجلسين المركزي والوطني لمنظمة التحرير التي أوصت في مناسبات عديدة بوقف هذا التنسيق والتخلص من اتفاق أوسلو.
وأعلنت السلطة في محطات عديدة عن وقف التنسيق الأمني، كان آخرها مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مدينة القدس عاصمة لـ(إسرائيل)، إلا أن كل ذلك لم يجد له رصيدًا على الأرض.
وفي سبتمبر الماضي، قال رئيس السلطة محمود عباس أمام وفد حركة "السلام الآن" الإسرائيلية خلال لقائهم في مقر المقاطعة برام الله: إنه "يلتقي شهرياً برئيس (الشاباك)، كما أنه أمر قادة الأجهزة الأمنية بالالتقاء يومياً بقادة جيش الاحتلال والمخابرات لتعزيز التعاون الأمني".
وأول من أمس، نقلت القناة "العاشرة" العبرية عن قائد هيئة الأركان الإسرائيلية غادي آيزنكوت قوله خلال جلسة وداعه أمام حكومة الاحتلال أن "السلطة الفلسطينية أحبطت خلال الأيام الأخيرة عملية عسكرية لحماس".
عقيدة السلطة
ويقول الضابط السابق في جهاز المخابرات التابع للسلطة، فهمي شبانة: إن عباس يؤمن بأن "التنسيق الأمني مقدس"، حتى بات الأمر عقيدة راسخة لدى السلطة وأجهزتها الأمنية.
وأوضح شبانة لصحيفة "فلسطين"، أمس، أن أجهزة أمن السلطة تقوم بدورها الوظيفي في حفظ أمن الاحتلال ومستوطنيه، وليس حماية أفراد شعبنا الفلسطيني، كما هو مفروض.
وأشار إلى معاناة أهالي الضفة الغربية جراء استمرار التنسيق الأمني، "فلا أحد منهم يشعر بالأمن والأمان لا في بيته ولا عمله ولا في أي مكان".
وأضاف: "أجهزة السلطة لا تختلف عن "جيش لحد" اللبناني، وهي ذات الفكرة في روابط القرى في سبعينيات القرن الماضي"، مستدركًا: "في روابط القرى كانت الناس لديها مساحة حرية وحركة، أما اليوم لا يملك أهل الضفة حرية الحركة والتنقل بين المدن والقرى الفلسطينية".
و"جيش لحد" هو قوات أمنية تشكلت بدعم من الاحتلال الإسرائيلي من أبناء القرى اللبنانية الجنوبية ووحدات منشقة من الجيش اللبناني، وكانت وظيفتها محاربة المقاومة الفلسطينية واللبنانية هناك.
من جانبه، يقول المحلل السياسي خالد العمايرة: إن دور أجهزة أمن السلطة بات أشبه ما يكون بدور "روابط القرى" التي كانت في نهاية سبعينيات القرن الماضي.
وقال العمايرة لـ"فلسطين": "الأجهزة الأمنية تمتلك خطًا مفتوحًا مع الاحتلال من خلال (الشاباك)، كما أنها تسير وفقا لتعليمات المستوى السياسي بقيادة عباس، ما جعلهم أشبه بأداة وظيفية في يد الاحتلال".
وروابط القرى هو مقترح طرحه الحاكم العسكري لمدينة الخليل يغئال كرمون، عام 1979، حول إيجاد قيادات فلسطينية متواطئة مع الحكم العسكري الإسرائيلي، وبديلة من منظمة التحرير يعينها الاحتلال، ويفصّل لها مقاسات عملها ودورها.
الأبعاد الأمنية
أستاذ العلوم الاستراتيجية والأمنية د. هشام المغاري يرى أن تصريحات "آيزنكوت" جزء من التفاصيل الكثيرة الموجودة بين الطرفين (السلطة والاحتلال) في إطار "التنسيق الأمني"، مشيراً إلى وجود مواطن كثيرة لم ولن يتم الاعلان عنها.
وأوضح المغاري لـ"فلسطين" أنه في ظل إصرار السلطة بقيادة عباس ومعاونيه على التنسيق الأمني وتعاملهم مع الاحتلال كونه صديقًا، ومع المقاومة الفلسطينية كونها عدوًا، نجد الفلسطينيين في الضفة تحت خطر محدق من الطرفين.
وقال: "سلوك السلطة على الأرض ألزمها بحماية الاحتلال، حتى أصبحت قادرة على الابداع في هذا الجانب، فلم تكتفِ بتنفيذ الأوامر بل أمست تتابعه بتوجيه ذاتي في تماهٍ واضح مع مصالح الاحتلال".
وأضاف: "حتى أصبحت مصلحة السلطة مرتبطة بمصلحة الاحتلال، وكأنهما جسد واحد، مطلوب منه بشقيه مواجهة المقاومة الفلسطينية بأي شكل، لأن كل منهما يؤمن بأن وجود المقاومة يعمل بشكل معاكس للمشاريع التي يؤمن بها الطرفان ويسعيان لتحقيقه".
ولفت المغاري إلى أن من الأبعاد الأمنية لهذا الأمر (التنسيق الأمني) أيضاً هو التأثير على عمل المقاومة في الضفة الغربية، والتقليل من قدرتها على العمل، كما أنه تحقيق لمصلحة الاحتلال بالدرجة الأولى.
وذكر أن المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية واعيا لما يدور حوله، وسيأتي مرحلة ما سيلفظ الشعب "السلطة وأنصارها" ما سيحقق حاضنة شعبية للمقاومة تدافع عنها وتمكنها من تحقيق أهدافها.
والتنسيق الأمني بين أجهزة أمن السلطة والاحتلال هو أحد بنود اتفاق أوسلو الموقع بين منظمة التحرير و(إسرائيل) عام 1993، وينص على تبادل المعلومات بين الأمن الفلسطيني و(إسرائيل).