توقع محللان سياسيان، مستقبلًا صعبًا للسلطة الفلسطينية في ظل المتغيرات الدولية، التي يستثمرها الاحتلال الإسرائيلي من أجل ترسيخ واقعه على الأرض الفلسطينية عبر التمدد الاستيطاني ووأد حل الدولتين.
وكشفت مصادر فلسطينية، النقاب عن أن لجنة عليا يرأسها رئيس السلطة محمود عباس، وضعت خطوات عملية للرد على أي قرار قد يصدر متعلقًا بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وخرجت اللجنة بتوصيات، تضمنت عدة خطوات، أهمها إعلان قيام دولة فلسطينية بدل السلطة وانتخاب برلمان الدولة، وسحب الاعتراف بـ(إسرائيل).
وأشار المحللان السياسيان إلى أن هذه الخطوات لا يبدو أنها ستكون ذات فائدة على الأرض، وإنما تحمل طابعا احتجاجيا أكثر من أي شيء آخر، "فلا السلطة باستطاعتها إقامة الدولة، ولا الظروف الحالية تسمح بمثل هذا الأمر".
وأكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح د. رائد نعيرات، أن السلطة هي أكثر المتضررين من الأوضاع الحالية السائدة في المنطقة، "فلا هي استطاعت أن تحرز تقدمًا أو تكسب شيئًا من خلال المفاوضات، ولا هي قادرة على تبني خيار المواجهة الشاملة مع الاحتلال نظرًا لتكبيلها بقيود الاستحقاقات السياسية".
وذكر نعيرات لصحيفة "فلسطين"، أنه "من البديهي النظر إلى المستقبل القريب على أنه مرحلة ازدهار للاحتلال في ظل الدعم المعلن واللامحدود الذي لا يفتأ الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب يقدمه وسيقدمه لدولة الاحتلال".
وأشار إلى أن إمكانية توجه السلطة إلى خيار المؤسسات الدولية من أجل المحافظة على ما تبقى من الحقوق الفلسطينية هو خيار صعب في ظل التطورات الحالية، فالإدارة الأمريكية لن تسمح بتكرار ما حصل خلال نهاية ولاية باراك أوباما من استصدار قرارات تؤيد الحق الفلسطيني أو تدين السلوك الإسرائيلي.
وقال المحلل السياسي: إنه "في ظل ما نراه جميعًا، فأصبحت السلطة أمام سؤال وجودي يتعلق بجدوى بقائها وإمكانية أن تظل على قيد الحياة بعدما تبخر حلم الدولتين، وهو سؤال يبدو أن إجابته ليست حاضرة في سلوك وتخطيط السلطة على الأقل في الوقت الحالي".
وأضاف: "عمليًا فإن سؤال جدوى السلطة كان يدور منذ زمن بعيد في أذهان الشارع الفلسطيني والنخب السياسية، لكن الظروف المعيشية والخشية من تدهور الأوضاع كانا يمنعان التداول في هذا الأمر سابقًا"، لافتًا إلى أن السلطة تملك إمكانية النهوض من "الرماد"، ولكن يجب عليها أن تغير من رؤيتها وسلوكها السياسي عبر وقف المراهنة على عملية التسوية من جهة، وكذلك تفعيل الحوار الفلسطيني للوصول إلى مصالحة تقوم على حفظ الثوابت من جهة أخرى.
واستدرك نعيرات: "كذلك لا يمكن التعويل كثيرًا على دور عربي أو إسلامي في هذه المرحلة، لأن الصراعات الداخلية والمذهبية قد حولت الاهتمام إلى تلك القضايا بعيدًا عن القضية الفلسطينية، وليس أدل على ذلك من غياب دور جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي اللتين لم يخرج منهما مواقف قوية منذ زمن".
خيارات صعبة
من جهته، قال المحلل السياسي سامر عنبتاوي، إن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لا يهمه حاليًا سوى مواصلة الاستيطان بشكل كبير من أجل المحافظة على حكومته نظرًا لتركيبتها اليمينية، فضلًا عن إيمانه بأن الطرف الفلسطيني في أضعف حالاته نظرًا لعوامل كثيرة منها داخلية وخارجية.
وأضاف عنبتاوي لصحيفة "فلسطين"، أن الأوضاع الدولية مساندة بشكل كبير للرؤية الإسرائيلية، "فالدول الغربية ما بين منشغل بملفات إقليمية أخرى، أو صامتة بانتظار ما ستكون عليه السياسية الأمريكية الجديدة لتقدير موقفها، بينما أعلن الطرف الأمريكي موقفه بدعم غير محدود لدولة الاحتلال".
وتابع: إن "وضع السلطة أصبح صعبًا نتيجة للخلل الكبير الذي اعترى ممارسة السلطة لوظائفها خلال السنوات السابقة بعد اتفاق أوسلو المشؤوم الذي جعل من إمكانية إقامة الدولة مرتبطًا بتفاهمات وتوازنات دولية أقوى من الفلسطينيين أنفسهم".
وأكد أن "وصف الدولة" يحتاج إلى مقومات كثيرة منها القدرة على بسط السيطرة والنفوذ وامتلاك بنية تحتية تخدم الاقتصاد وتواصل جغرافي يتيح وصول المواطنين إلى مناطق تواجدهم دون إشكاليات، وهذه المقومات لا تتوفر للفلسطينيين حاليًا في ظل وقوعهم تحت الاحتلال.
وشدد المحلل السياسي على وجوب دراسة الخيارات الفلسطينية الحالية بعناية، موضحًا "أن خيار حل السلطة يبدو مفيدًا في بعض جوانبه من ناحية اعتباره خطوة احتجاجية كبرى ضد الدول الغربية، لكنه يؤدي أيضًا إلى عودة الاحتلال المباشر، الأمر الذي يعتبر عودة للوراء في المشروع الفلسطيني".
ورأى عنبتاوي أن المطلوب هو قيام الفلسطينيين بالاجتماع الموحد من أجل وضع رؤية سياسية تحافظ على الحقوق الفلسطينية، وفي ذات الوقت يتوافق عليها الكل الفلسطيني من أجل الخروج من هذا الوضع الخطير.
واستدرك: "كذلك يجب على السلطة أن تنهي رهانها على عملية التسوية باعتبار أن الاحتلال يقوم باستغلالها من أجل ترسيخ الواقع على الأرض وقتل حلم الدولة الفلسطينية".