فلسطين أون لاين

مَنْ يُغيّر مَن؟

تعج صفحات التواصل الاجتماعي بأمنيات وأهداف في العام الجديد 2019م، وهذا المشهد يتكرر في كل بداية عام، ويعطيك انطباعًا أنّ العام الجديد يحمل قوةً خفية، أو شكلًا مختلفًا يجعلنا جميعًا ننتظر قدومه على أحرَّ من الجمر.

من الجميل أن يعيد الإنسان تنظيم نفسه وترتيب أولوياته، ومن الجميل أصلًا أن يكون لديه الحسّ الناقد لمسيرة حياته، على قاعدة "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا".

لكن لماذا يربط أغلبنا أي تطور أو تغيير ... إلخ بقدوم سنة ميلادية جديدة؟، ما الهدف من ذلك؟، وما الذي ننتظره مع بداية العام لنحصر تغيرنا فيها؟

قد لا تبدو هذه الأسئلة مُلحّةً عند أولئك الذي يضعون خططًا لكل عام جديد، ويسعون في تحقيقها، لكنّ من نعنيهم هنا هم من تعثرت بهم الطرق، وتوقفت عجلة حياتهم عن الدوران، فتراهم يقفون منتظرين بداية العام الجديد، من باب الأمل في أن يحمل بشرىً أو مفاجأة تغيّر حياتهم.

والحقيقة أننا لم نسمع من ذي قبل أن بداية عام جديد غيرت حياة شخص من تلقاء نفسها، ولا أن موسمًا معينًا منح شخصًا طفرةً في حالته الاجتماعية، وهنا يحضرني قول الكاتبة الألمانية لو أندرياس سالومي: "لن تمنحك الحياةُ أيَّ هدية؛ صدقني، إذا أردت أن تكون لك حياة؛ فاسرقها".

"اسرقها، ابحث عنها، خطط من أجلها، اعمل لتحقيقها"، هذه هي الوصفة الحقيقية لتغيّر الحياة؛ فأنتَ الذي يغير عامك ويجعله مختلفًا عن سابقيه، لا العامُ ولا المواسم ولا الأماكن تفعل ذلك في حياتك دون جهد منك.

لذا؛ انتظار بداية عام جديد لا يُسمنُ ولا يُغني من جوع، والتغيير يبدأ في اللحظة التي تقرر فيها أن تتغير، بغض النظر عن اليوم والشهر والسنة.

وفي هذا يقول الدكتور محمد الغزالي (رحمه الله) في كتابه "جدد حياتك":

كثيرًا ما يحب الإنسان أن يبدأ صفحة جديدة في حياته، ولكنه يقرن هذه البداية المرغوبة بموعدٍ مع الأقدار المجهولة، كتحسنٍ في حالته، أو تحولٍ في مكانته، وقد يقرنها بموسمٍ معين، أو مناسبةٍ خاصة كعيد ميلاد، أو غرّة عامٍ، مثلًا.

وهو في هذا التسويف يشعر بأن رافدًا من روافد القوة المرموقة قد يجيء مع هذا الموعد، فينشّطه بعد خمول، ويمنّيه بعد إياس، وهذا وهم؛ فإن تجدد الحياة ينبع قبل كل شيء من داخل النفس.