يقع الاحتلال باستمرار في خطأ التقديرات الخاطئة تجاه التعامل مع الفلسطينيين وتغيّر الأحداث، حيث يبني كامل مواقفه على أنه قادر على فرض إملاءاته وشروطه، والمماطلة والتسويف سمة متلازمة لديه، وفي كثير من الحالات وُضع في دائرة التملص والتهرب من نتائج أعماله نتيجة تلك التقديرات.
في العملية التي أسمتها كتائب القسام باسم "حد السيف"، برزت أزمة الاحتلال بشكل واضح، ولو قدّر للعملية أن تسير بمنحى آخر، لكانت أسوأ ما توقع ومر به الاحتلال وأجهزته الأمنية، وما لم يتوقعه في أسوأ كوابيسه، نتيجة سوء التقدير بأن المقاومة غافلة عما يقوم به، وهي قادرة على الوصول لتفاصيل مذهلة بالحادثة تصل لحد عدّ أنفاسهم، ووقوعهم تحت نظر وسمع المقاومة والأجهزة الأمنية في غزة، التي حلت اللغز بسرعة، واكتشفت السذاجة التي تعيشها أجهزة الاحتلال الأمنية، التي ركنت إلى سوء التقدير.
هو ذاته سوء التقدير الأمني والعسكري والسياسي الإسرائيلي، كشفت عن جزء منه عملية حد السيف، التي من المتوقع أن تكشف كتائب القسام عنه، لكن ما يخفى غير ذلك وأعظم بكثير، ويفضح الاحتلال وتقديراته السياسية، كما هو الحال في التعاطي مع مسيرات العودة، ومحاولة الاحتلال التذاكي من خلال المماطلة والتسويف، اعتقاداً منه أن المقاومة لا ترغب في المواجهة ولا تسعى لها، لعوامل كثيرة، وهو لم يستفد من المواجهة الأخيرة خلال نوفمبر التي كانت يمكن أن تقود نحو المواجهة الشاملة، وأن عبارة "نأسف قصفت تل أبيب" ستتكرر من جديد، نتيجة نفس الخطأ السابق عام 2014، عندما أوهم الاحتلال جمهوره أن المقاومة لن تقصف تل أبيب، لكن المقاومة فعلتها ودون تردد، فسياق الحسم في القرارات مهما كانت النتائج.
الاحتلال اليوم يقع في نفس الدائرة ويماطل ويسوّف في التعاطي مع مسيرات العودة، ولا يرغب في الالتزام بالتفاهمات، ويتّبع سياسة التسويف بتوريط الأطراف في هذه اللعبة، اعتقادًا منه أن الفلسطينيين لن يواصلوا المشاركة، أو سينكفئون عنها، لكن في الواقع تزداد المشاركة كما حدث أمس الجمعة، بل قد يرى أشكالًا جديدة من الحراك الشعبي، وهذا ما يثبت فشل رهان الاحتلال على الزمن، كما كان رهانه أننا مقبلون على فصل الشتاء، وأن الغزيين سيذهبون إلى مواقد النار للتدفئة ولا يعرف أن أهل غزة سيذهبون لمسيرات العودة بعشرات الآلاف ثم يعودون ليوقدوا النار، ويستعدون لما بعد ذلك، وأن تقديراتهم هي الأقرب للواقع، والتحقّق من أوهام وتقديرات الاحتلال الخاطئة كما هو الحال في عملية "حد السيف".