جسدت عائلة الشهيد صالح البرغوثي من قرية كوبر شمال غرب مدينة رام الله، نموذجًا فريدًا للعائلة الفلسطينية الصامدة المقاومة في مواجهة جرائم قوات الاحتلال الإسرائيلية، وتنكيلها بذوي الشهداء ومنفذي عمليات المقاومة.
فقبل انتصاف ليل الثاني عشر من ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلنت قوات الاحتلال اغتيال صالح البرغوثي (29 عامًا) في عملية معقدة ومشتركة بين الجيش و"الشاباك"، متهمةً إياه أنه أحد منفذي عملية إطلاق نار قرب مستوطنة "عوفرا" شمال رام الله في التاسع من الشهر ذاته أُصيب خلالها 9 مستوطنين.
وبعد اغتيال صالح اقتحمت قوة إسرائيلية كبيرة منزل عائلته، وحاصرت العشرات من أبنائها داخل المنزل، وأخضعت والده الأسير عمر البرغوثي "أبو عاصف" (66 عامًا) للتحقيق، قبل أن يقول له أحد الضباط: "من سيربي قيس الآن يا أبو عاصف؟"، فردَّ عليه قائلًا: "مثلما رُبِّيَ أبوه دون أب سيربى هو كذلك"، واعتقل الوالد ونجله عاصف والعشرات من أبناء العائلة.
وتزوج صالح منذ ستة أعوام، ولديه طفل في الثالثة من عمره اسمه قيس.
وأبو عاصف شقيق الأسير نائل البرغوثي، أقدم معتقل في العالم، والذي أمضى (40 عامًا) في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
ويعد اعتقال أبو عاصف هذه المرة مختلفًا، ففي عشرات الاعتقالات السابقة التي قضى فيها أكثر من (26 عامًا) في سجون الاحتلال، كان يُعتقل لدوره القيادي في حركة حماس، لكن هذه المرة اعتقل انتقامًا لأن نجله نفذه عملية فدائية.
وبارتقاء صالح شهيدًا يكون قد حافظ على درب العائلة المقاومة، فهو أسير محرر من سجون الاحتلال، كما أن جميع أشقائه أسرى محررون، وشقيقه عاصم (33 عامًا) حكم بالسجن 12 عامًا لمحاولته أسر مستوطن لمبادلته بأسرى، وأفرج عنه في نيسان/أبريل 2018.
يذكر أن الاحتلال لا يزال يطارد "عاصم" الذي يتهمونه بتنفيذ عملية إطلاق نار قرب مستوطنة "جفعات اساف" المقامة شرق رام الله في 13 ديسمبر الماضي، التي أسفرت عن مصرع جنديين وإصابة ثالث بجروح خطيرة.
واقتحم جيش الاحتلال منزل عاصم في 19 ديسمبر، وأخذ قياسات منزله استعدادًا لهدمه.
وأصبح معروفًا لدى أهالي قرية كوبر المقولة المشهورة عن عائلة أبو عاصف: إن "هذا المنزل وُلد من الوطنية والنضال، ولا يحتضن إلا مقاومين".
وفي فجر الخامس من يناير/كانون الثاني الجاري، اقتحم جنود الاحتلال منزل العائلة وأخضعوا والدة الشهيد صالح للتحقيق، واعتقلوا نجلها الأصغر محمد (17 عامًا).
وأفادت مصادر محلية لصحيفة "فلسطين" بأن ضابط من مخابرات الاحتلال هدد "أم عاصف" بالإبعاد قائلًا لها: "رح نبعدك إذا ما سلمتي عاصم خلال ثلاثة أيام، مش على الخليل لأن كلها حماس، ولا على نابلس، رح نبعدك على أريحا عند السلطة"، ردت عليه بجرأة: "هناك أدفى".
ومنذ استشهاد صالح، نفّذ الاحتلال حملة اعتقالات واسعة طالت عددًا كبيرًا من أبناء عائلة البرغوثي وأقارب الشهيد، منهم: عمر البرغوثي (والده)، وعاصف ومحمد (أشقاؤه)ولطفي وزاهي وساهر البرغوثي (أخواله)، إيهاب ومعتصم البرغوثي (ابنا خالته)، مقداد واسماعيل (ابنا أخواله)، عمر محمد البرغوثي (ابن عمته)، والعشرات من أقاربه وأصدقاؤه.
وتعود البدايات الأولى لجهاد هذا البيت إلى عام 1978، حين اعتقلت قوات الاحتلال "أبو عاصف" وشقيقه الأسير نائل، وابن عمهما المحرر في صفقة وفاء الأحرار فخري البرغوثي بتهمة قتل مستوطن، وحكموا جميعًا بالسجن المؤبد ليفرج عن "أبي عاصف" بصفقة تبادل عام 1985، لكنه دخل السجن بعد ذلك عدة مرات جاوز مجموعها ربع قرن.
ومن يذكر عائلة البرغوثي لا ينسى أبدًا والدتهم الحاجة "فرحة" (جدة الشهيد صالح) التي توفيت قبل سنوات، وهي أكثر أم أسير في فلسطين قرعت أبواب السجون زحفًا خلف أبنائها، وعرفت بصلابتها وقوة بأسها.