يبدو أن المواطنين في قطاع غزة على موعد مع إجراءات عقابية جديدة تتخذها السلطة في رام الله وتفاقم صعوبة أوضاعهم المعيشية، لكن هذه ليست المخاطر الوحيدة، فعلى الصعيد السياسي تتهدد القضية الفلسطينية تحديات متعددة.
وعلى وقع العقوبات المستمرة أصلا منذ أبريل/نيسان 2017، توعد عباس أول من أمس بـ"قطع" ما قال إن السلطة تدفعه لقطاع غزة مدعيا أنه يصل إلى 96 مليون دولار شهريا، وهو رقم يشكك فيه المراقبون.
وتشمل الإجراءات العقابية التي تفرضها السلطة الخصم من رواتب موظفيها في القطاع دون الضفة الغربية، كما تمس مجالات حيوية كالصحة بما في ذلك تقييد التحويلات الطبية وتوريد الأدوية والمستلزمات الطبية، والكهرباء والوقود، وغيرها، بحسب مسئولين.
وتسلّمت هيئة المعابر والحدود في السلطة رسميا مسؤولية معابر القطاع، في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2017 حسب الجدول الزمني الذي حدده اتفاق المصالحة الأخير في القاهرة، بيد أن رئيس حكومة رام الله رامي الحمد الله ربط عمل هذه المعابر بالملف الأمني، في خطوة أثارت جدلا حول نوايا السلطة واعتبرها البعض توجها نحو "الإحلال والوصاية".
وتنصلت حكومة الحمد الله من بند نص عليه الاتفاق وهو استمرار استلام الموظفين في غزة رواتبهم التي كانت تُدفع لهم، اعتبارا من نوفمبر/تشرين الثاني 2017، إضافة إلى سرعة إنجاز اللجنة القانونية الإدارية المشكلة من الحكومة لإيجاد حل لموضوعهم قبل الأول من فبراير/شباط الماضي.
وفضلا عن ذلك، عقد عباس مجالس منظمة التحرير دون توافق وطني العام الماضي، وأعلن قرار "المحكمة الدستورية" التي يشكك قانونيون في شرعيتها، حل المجلس التشريعي المنتخب في 2006، والذي تكتسح فيه حركة المقاومة الإسلامية "حماس" الأغلبية بحصولها على 76 مقعدا.
ويتهم الباحث السياسي في مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات وائل سعد، عباس بالسعي إلى معاقبة الشعب الفلسطيني على حقه الذي مارسه في الانتخابات التشريعية الأخيرة، لافتًا إلى انتهاء ولاية رئيس السلطة في 2009.
ويقول سعد لصحيفة "فلسطين": عباس يسعى إلى حصار المقاومة و"إرضاخها وهذا يصب مباشرة في مصلحة الكيان الإسرائيلي"؛ وفق قوله.
وشكك سعد في المبلغ الذي يدعي عباس أن السلطة تصرفه في قطاع غزة، قائلا: إن الأخيرة لا تدفع فاتورة الكهرباء وتقلص رواتب موظفيها في القطاع، وتقطع رواتب أسرى.
ويلفت إلى أن عباس يعاقب "التيارات السياسية الفلسطينية كافة والديمقراطية الفلسطينية ويقزم النظام السياسي"، داعيًا إلى تكاتف الكل الوطني لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني وإجراء انتخابات لرئاسة السلطة والمجلسين التشريعي والوطني.
ويحذر سعد من أن إجراءات عباس تعمق حالة الانقسام الفلسطيني وتبعد آمال المصالحة، وتعمل على خنق قطاع غزة.
جسم المجتمع الفلسطيني
من جهته, يقول المحلل السياسي طلال عوكل: واضح أنه ستكون هناك إجراءات جديدة يتخذها رئيس السلطة، مضيفا أن المناخ العام السياسي في فلسطين "مسموم"، وأنه لا أمل قريب بتحقيق المصالحة.
ويضيف عوكل لصحيفة "فلسطين": "لا أظن أن حركة حماس ستخضع لهذه الإجراءات"، العقابية التي يتخذها عباس.
ويقر عباس بفشل اتفاق أوسلو الذي يبني عليه سياساته مع (إسرائيل)، لكنه لا يزال يتمسك به وبالمفاوضات خيارا "استراتيجيا"، ويواصل التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال في الضفة الغربية. ويسود اعتقاد على نطاق واسع بأن عباس يسعى لتطبيق هذه السياسة على قطاع غزة.
ويوضح عوكل أن إجراءات عباس ستترك بصمات من الوجع والألم على جسم المجتمع الفلسطيني.
ويتوقع أن تشمل الإجراءات الجديدة وقف "الدعم" عن بعض القطاعات، وقطع رواتب المحسوبين على التيار الإصلاحي الذي يقوده القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان.
ويرى أن عباس سيعمل على فرض "حصار سياسي" على حماس، وسيستخدم لغة "تخرجها من دائرة العمل الوطني".
وترفض الفصائل الوطنية والإسلامية سياسات عباس مع الاحتلال الإسرائيلي، وإجراءاته العقابية بحق القطاع.