أعلن وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان سلسلة من إجراءات تصعيدية من الممكن وصفها بأنها إعلان حرب على الأسرى، حيث أوصى أردان بضرورة تشديد شروط حياة الأسرى الفلسطينيين دون تمييز بين كبير وصغير، بين من أمضى شهرا واحدا، وبين من أمضى ثلاثين سنة في الأسر، بين فتحاوي أو حمساوي أو أي تنظيم آخر، حيث قرر إلغاء الأقسام الخاصة بكل من فتح وحماس، أو ما أسماه الحكم الذاتي الذي يتمتع به الأسرى، وذلك في مبالغة مقصودة من أجل تبرير هجومه على الأسرى.
تواجه الإجراءات التي أعلنها أردان عقبتين رئيسيتين؛ الأولى مهنية، والثانية والأهم أمنية، أما المهنية فتتعلق بالقدرة الفعلية لتنفيذ هذه الإجراءات بعد القيام بحسابات الربح والخسارة والتكلفة والفائدة، فمعظم هذه الإجراءات ستكلف (إسرائيل) ملايين الدولارات وأعدادًا كبيرة جدا من القوى البشرية الجديدة، وفي المقابل فإن الفوائد المرجوة من ذلك لا تتعدى على الأغلب أغراضا معنوية ونفسية للجمهور الإسرائيلي، وعلى رأسها الانتقام والتنكيل بالأسرى.
إن وقف السماح للأسرى بالاستحمام داخل غرفهم، ومنعهم من الطهي داخل هذه الغرف يتطلب بالقطع بنية تحتية جديدة ومكلفة جدا، لذلك قد يأخذ هذا الإجراء إن تم إقراره فترة لا تقل عن سنتين أو ثلاث، إضافة إلى تشغيل أعداد أخرى من السجانين، أما العقبة الثانية التي تواجه أحكام أردان فهي عقبة أمنية، حيث يتوقع أن تواجه هذه الإجراءات بمعارضة واحتجاجات من قبل الأسرى وما ينتج عن ذلك من احتماليات لإضرابات عن الطعام داخل السجون، ومظاهرات واسعة في الضفة الغربية، وهذا بالضبط ما دعا الدوائر الأمنية الإسرائيلية وعلى رأسها الجيش وجهاز الشاباك لإبداء معارضتهم لأحكام أردان (الصبيانية).
من المناسب الإشارة إلى موقف مصلحة السجون من خطة الوزير أردان والتي تتلخص في تحذيرها من نتائج تنفيذ الخطة على الوضع الأمني داخل السجون، مع تأكيدها أن بإمكانها تطبيق وتنفيذ تعليمات أردان إن تم إقرارها في الحكومة، والموافقة على كل ما تتطلبه من تكاليف مالية وقوى بشرية.
إضافة إلى ذلك فقد صرح بعض كبار قادة مصلحة السجون السابقين، ومن بينهم مديرة سجن هداريم ومسؤولة الاستخبارات العامة في السجون سابقا بيتي لاهت، والتي تحفظت على هذه الإجراءات وعلى طريقة عرضها في مؤتمر صحفي صاخب من قبل أعلى مستوى في الأمن الداخلي وهو الوزير بنفسه، كما أعرب مدير سجن هداريم السابق داكار ايلات عن تحفظه أيضا، مشيرا إلى أن الأسرى الأمنيين يحرصون على نظافة الأقسام والغرف، ولا يسرفون بالماء عمدا وقصدا.
وقد أشارت كلتا الشخصيتين إلى أهمية منصب ما يسمى بـ"الدوبير" أو الناطق باسم الأسرى، بغض النظر عن التسميات المقترحة من لجنة أردان.
من اللافت أن اللجنة التي شكلها أردان لدراسة شروط الأسرى، والتي قام هو بتبني توصياتها هي لجنة تتكون من كبار قادة مصلحة السجون السابقين، والذين كان لهم دور بارز ومشهور في صياغة وتعزيز الشكل الحالي لحياة الأسرى في السجون ومعها قواعد السلوك بين الأسرى والسجان، ومن أهمهم آفي فاكلين مدير سجن بئر السبع سابقا، وقائد المنطقة الجنوبية في الشاباص وكذلك الضابط يتسيك غاباي رئيس الاستخبارات السابق في السجون، فلماذا أوصى هؤلاء بإجراءات معاكسة تنسف كل ما كانوا جزءا من بنائه و صياغته؟ وهل كان لذلك علاقة برغبات وتطلعات من كلفهم بذلك؟
لقد أصبح الأسرى الفلسطينيون مادة للدعاية الانتخابية في (إسرائيل)، ومصدرا من مصادر التحريض وتجنيد الأصوات للمعركة الانتخابية المحتدمة دوما في (إسرائيل)، فقبل أيام أعلن وزيرا الكابينت شاكيد وبينت حزبهما الجديد، رافعين راية الحرب على الأسرى وإطلاق سراحهم، ومن قبلهم سعى وزير الحرب (ليبرمان) لاستصدار قانون إعدام الأسرى، ثم قطع رواتبهم ومعاشات أسرهم، واليوم جاء دور وزير الأمن الداخلي أردان ليجرب حظه وليأخذ قليلا من دماء الأسرى ويمضي.!