حالة من الذهول والصدمة أصابت الآلاف من الموظفين العاملين مع السلطة في رام الله يوم أمس، عندما وجدوا أنفسهم بلا راتب، بعد أن قامت السلطة بقطع رواتبهم، ضمن سياسة قديمة جديدة تتبعها السلطة ضد المواطنين بغزة، وهي سياسة قطع الرواتب ضمن سياسة الفصل المتدرج لقطاع غزة عن الضفة الغربية والتي يتضح أنها سياسة ممنهجة وليست عفوية، تقوم على بدء الصدمة والامتصاص بحيث يتم اتخاذ إجراءات صادمة، ثم التوقف لامتصاص ردة الفعل وتكرار ذلك في كل مرحلة.
والأمر تكملة لما حدث عام 2007، ويتضح مما حدث أن هذه السياسة تتركز على الوصول إلى مرحلة يتم قطع كل رواتب العاملين مع الحكومة في رام الله، بعد أن تقلصت أعدادهم إلى النصف بعد إحالة عشرات الآلاف إلى التقاعد.
الموجة الجديدة من قطع الرواتب رافقها تمهيد من رئيس السلطة محمود عباس، عندما وصف غزة بالإشارة لحماس وأنصار دحلان، ثم عمم بأنهم "كلهم جواسيس"، في تعبير عن توجه أعلى مستوى في السلطة نحو فرض مزيد من العقوبات ضد غزة، لكن بشكل مختلف عن المتوقع الذي كان يتجه نحو إجراءات واضحة معلنة، لكن ذلك لم يحدث بسبب الخشية من ردة فعل أكبر من جهات إقليمية ودولية, وكذلك من الاحتلال الذي أعلن رفضه لإجراءات عباس، ليس حبًا بغزة، لكن خشية من الذهاب نحو مواجهة كبيرة إذا ما واصلت الأوضاع الاقتصادية بالتدهور.
بالحسابات الاقتصادية، فإن عباس يسعى إلى خفض النسبة المالية التي وصلت لغزة عبر القطريين البالغة 15 مليون دولار لكن بشكل مختلف، مما يساهم في استمرار الأزمة الاقتصادية، وبالتالي استمرار ما يطلق عليه معاقبة حماس، وهو في الحقيقة تطبيق فعلي لصفقة القرن التي تقوم في مبدئها على فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية.
سياسة قطاع الأرزاق هي السياسة الأكثر إيلامًا لما لها من خطورة مجتمعية يمكن أن تقود نحو فوضى فعلية يصعب السيطرة عليها, كما حدث في الاعتداء على تلفزيون فلسطين، أو دفع عناصر أمنية من السلطة نحو إحداث فوضى بعد قطع رواتبهم وابتزازها بردّات فعل خطيرة، تكون عاملًا في زعزعة الأوضاع الأمنية، والتي أطلق عليها المسؤول عن التنسيق الأمني مع الاحتلال الوزير حسين الشيخ الذي هدد غزة "بالعين الحمراء".
قطع الأرزاق من قطع الأعناق، هكذا قيل عن قطع الرواتب لخطورته الكبيرة، وهو ما اكتوى به الآلاف خلال الأيام الماضية، ليلتحقوا بزملائهم السابقين بالطريقة نفسها، بحيث يقود نحو فصل كل الموظفين العاملين مع الحكومة في رام الله والإضرار بقطاع التعليم والصحة والخدمات التي تقدم للمواطنين، وإفقاد غزة أهم عامل حافظت عليه خلال السنوات الماضية، وهو عنصر الأمن، فتصبح الجهات الحكومية في غزة في دائرة الاتهام وبالتالي العجز، وهو ما تسعى له السلطة من وراء قطع الأعناق، أو قل قطع الأرزاق.
غزة اليوم بحاجة للأمن أكثر من أي وقت مضى، وما زالت حادثة خانيونس ليست بعيدة، حيث يتربص الاحتلال بها وبالمقاومة، ولعل ما يقوم به عباس سيساهم في تسهيل مهمة الاحتلال التي تقود نحو إحداث فوضى أمنية تخدم الاحتلال، لكن سيفشل ذلك بأن تتولى الجهات الأمنية في غزة حالة الضبط, للوصول للفاعلين فيما يتعلق بتلفزيون فلسطين، وفي الوقت نفسه منع عباس من العبث في ساحة غزة.