فلسطين أون لاين

عام 2018 الأسوأ اقتصاديًّا على قطاع غزة منذ عقود

مع نهاية عام 2018 ما زال الاقتصاد في قطاع غزة يعاني من سياسة الحصار الذي تفرضه (إسرائيل) للعام الثاني عشر على التوالي, هذا بالإضافة إلى الحروب والهجمات العسكرية الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة التي عمقت الأزمة الاقتصادية نتيجة الدمار الهائل الذي خلفته في البنية التحتية وجميع القطاعات والأنشطة الاقتصادية.

كما أن التأخر في عملية إعادة الإعمار، خصوصا في القطاع الاقتصادي، أدى إلى تداعيات خطيرة على الأوضاع الاقتصادية في غزة, حيث حذرت العديد من المؤسسات الدولية من تداعيات إبقاء الحصار المفروض على قطاع غزة وتأخر عملية إعادة الإعمار على جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية.

واستمرت (إسرائيل) خلال عام 2018 باتباع سياساتها وإجراءاتها العقابية بحق قطاع غزة, التي تمثلت بتشديد الخناق على تنقل التجار ورجال الأعمال عبر معبر بيت حانون, واستمرارها باعتقال العشرات من التجار ورجال الأعمال, كما أضافت (إسرائيل) العديد من السلع و البضائع إلى قوائم الممنوعات, وكل هذا يأتي في إطار سياسة (إسرائيل) بتشديد الحصار على القطاع.

معدلات البطالة والفقر

شهد عام 2018 ارتفاعا غير مسبوق في معدلات البطالة و بحسب مركز الإحصاء الفلسطيني فإن معدل البطالة في قطاع غزة قد بلغ 54.9% في الربع الثالث من عام 2018 وتجاوز عدد العاطلين عن العمل حوالي 295 ألف شخص, وبحسب البنك الدولي فإن معدلات البطالة في قطاع غزة تعد الأعلى عالميا, وارتفعت معدلات البطالة بين فئة الشباب والخريجين في الفئة العمرية من 20-29 سنة الحاصلين على مؤهل دبلوم متوسط أو بكالوريوس في القطاع لتتجاوز 69%, وارتفعت نسبة الفقر في القطاع لتصل إلى 53%, وبلغت نسبة انعدام الأمن الغذائي لدى الأسر في غزة حوالي 69%.

كما شهد عام 2018 استمرار حالة الركود التجاري التي لم يسبق لها مثيل وذلك نتيجة لاستمرار خصم ما نسبته 50% من رواتب موظفي السلطة في المحافظات الجنوبية, حيث تسبب هذا القرار المستمر منذ أكثر من عام ونصف بخلل كبير في حركة دوران السيولة النقدية ونقصها من الأسواق وكانت له تداعيات خطيرة وكارثية على جميع مناحي الحياة في قطاع غزة, حيث إن الجزء الأكبر من الموظفين مديون للبنوك، ومجمل ما يتقاضونه شهريا لا يتجاوز 30% من إجمالي الراتب في أحسن الأحوال وبعد خصم قيمة 50% من الراتب لن يتبقى لهم شيء ليعتاشوا منه ويسددوا التزاماتهم وديونهم بدءا من البقالة حتى إيجار المسكن, بالإضافة إلى عدم التزامهم بسداد فواتير الخدمات الخاصة بالكهرباء والمياه والاتصالات, وأدى ذلك إلى إغلاق عدد كبير من المحلات التجارية والمصانع والمطاعم خلال عام 2018.

عملية إعادة الإعمار

للأسف الشديد واقع عملية إعادة الإعمار لا يسر عدوا ولا حبيبا, فهو حتى هذه اللحظة وبعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام على حرب صيف 2014, لم تبدأ عملية إعادة الإعمار الحقيقية وما زالت تسير ببطء شديد كالسلحفاة ومتعثرة, و من أهم أسباب بطء وتعثر عملية إعادة الإعمار استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ ما يزيد على 12 عاما, واستمرار إدخال مواد البناء وفق الآلية الدولية العقيمة المعمول بها حاليا "آلية إعمار غزة "GRM", التي رفضها الكل الفلسطيني منذ الإعلان عنها و ثبت فشلها في التطبيق على أرض الواقع, حيث إن كمية ما أُدخل من مادة الإسمنت للقطاع الخاص لإعادة إعمار قطاع غزة خلال الفترة من 14/10/2014 حتى 31/12/2017 لا تتجاوز 2.2 مليون طن, وهي لا تمثل سوى 30% من احتياج قطاع غزة للإسمنت خلال نفس الفترة, إذ إن القطاع يحتاج إلى 6 ملايين طن خلال نفس الفترة لتلبية الاحتياجات الطبيعية فقط, ولا تزال هناك حاجة إلى 23٪ من الإسمنت لحالات إعادة إعمار المساكن التي دمرت خلال حرب عام 2014, والمطلوب الآن وبعد استلام السلطة معابر قطاع غزة إلغاء تلك الآلية العقيمة وإدخال مواد البناء دون قيود أو شروط.

انعكس ذلك بوضوح على ما تم إنجازه على صعيد إعادة إعمار الوحدات السكنية التي دمرت خلال العدوان، وبحسب تقارير دولية صادرة في نوفمبر 2018, فما أُنجز وعلى سبيل المثال في الوحدات السكنية المدمرة كليا, إعادة بناء 7,805 وحدة سكنية من جديد من أصل 11000 وحدة سكنية دمرت كليا, تمثل فقط 70% فقط من كل الوحدات التي دُمِّرت كليا, وبلغ عدد الوحدات السكنية التي في مرحلة البناء 654 والوحدات السكنية التي يتوفر لها تمويل لإعادة إعمارها 739 والوحدات السكنية التي لا يتوفر لها تمويل لإعادة إعمارها 1,802 وحدة, ويقدر عدد الذين ما زالوا نازحين وبدون مأوى جراء الحرب الإسرائيلية في صيف 2014 على قطاع غزة، بحوالي 2,480 أسرة (حوالي 14,000 ألف فرد مشرد) .

وعلى صعيد القطاع الاقتصادي فهو مغيب كليا عن عملية إعادة الإعمار, حيث بلغت المنشآت الاقتصادية التي قصفت في كل القطاعات (التجارية والصناعية والخدماتية) 5153 منشأة اقتصادية, وبلغ حجم ضررها ما يزيد على 152 مليون دولار، وذلك وفقا لتقديرات الفريق الوطني للإعمار, وقدرت تكاليف إنعاشها وإعادة إعمارها بحسب ما رُصد في الخطة الوطنية للإنعاش المبكر وإعادة الإعمار بحوالي 566 مليون دولار, لكن للأسف الشديد حتى يومنا هذا فإن المبالغ التي خُصِّصت لإعادة إعمار القطاع الاقتصادي تقدر بحوالي 25 مليون دولار فقط من خلال المنحة القطرية والكويتية, وهي لا تتجاوز 16.5% من إجمالي أضرار القطاع الاقتصادي, ورصد معظم تلك المبالغ لإعادة إعمار وتعويض 3200 منشأة من المنشآت الصغيرة التي تضررت جزئيا, وبعض القطاعات الصناعية.

كرم أبو سالم

لم يشهد عام 2018 أي تغير في واقع المعابر, فجميع معابر قطاع غزة التجارية مغلقة باستثناء معبر كرم أبو سالم وهو الوحيد الذي يعمل حتى اللحظة وفق الآلية السابقة لما قبل الحرب على قطاع غزة, فلم يتغير أي شيء على آلية عمل المعبر من حيث ساعات العمل, وعدد الشاحنات الواردة, ونوع وكمية البضائع الواردة.

وما زالت (إسرائيل) تمنع دخول العديد من السلع والبضائع والمواد الخام والمعدات والآليات والماكينات وقطع الغيار و على رأسها مواد البناء التي تدخل فقط بكميات مقننة وفق آلية إعمار غزة لإدخال مواد البناء (الإسمنت – الحصمة – الحديد – البوسكورس).

ومن خلال رصد حركة الشاحنات الواردة عبر معبر كرم أبو سالم, بلغ عدد الشاحنات الواردة إلى قطاع غزة حوالي 96 ألف شاحنة خلال عام 2018, مقارنة مع حوالي 116 ألف شاحنة خلال عام 2017 من مختلف الأصناف المسموح دخولها إلى قطاع غزة باستثناء عدد شاحنات المحروقات الواردة, وبلغت نسبة انخفاض الشاحنات الواردة خلال عام 2018 حوالي 18%.

وفي النهاية فإن كل المؤشرات السابقة تشير وتؤكد أن قطاع غزة حاليا دخل في الرمق الأخير من مرحلة الموت السريري والانهيار الاقتصادي, وأصبح نموذجا لأكبر سجن بالعالم, بلا إعمار, بلا معابر, بلا ماء, بلا كهرباء, بلا عمل, بلا دواء, بلا حياة، بلا تنمية, ويجب أن يعلم الجميع أن الخناق يضيق بقطاع غزة والانفجار قادم لا محالة, وأصبح المطلوب من المؤسسات و المنظمات الدولية الضغط الفعلي على (إسرائيل) لإنهاء حصارها الظالم لقطاع غزة وفتح جميع المعابر التجارية وإدخال احتياجات غزة من السلع والبضائع وعلى رأسها مواد البناء دون قيود وشروط, وذلك لإنقاذ قطاع غزة من حالة الموت السريري التي يعاني منها.