قائمة الموقع

​الأسير عمار الزبن..حين يزوج "بشائر" عبر الهاتف

2018-12-30T17:48:59+02:00
الأسير عمار الزبن

عقارب الزمن تتابعت واحد تلو الآخر، تحمل في أذيالها كل حروف الألم والقهر والحرمان لبشائر النصر ابنة الأسير عمار الزبن الذي تغيّبه زنازين القمع الإسرائيلية دون رحمة أو شفقة.

فحين اختطف جنود الاحتلال عمار الزبن من أحضان عائلته عام 1998، كانت بشائر في الربيع الثاني من عمرها، قبل أن يحول الاحتلال حياتها إلى خريف لم ينته بعد.

"بيسان" كانت الفصل الموجع الآخر من الحكاية، عمرها بعمر الألم تقريبًا، حيث كانت جنيناً في أحشاء أمها في شهرها الرابع، لتبصر الحياة بعد خمسة شهور لكن لم تبصر أباها، فلم يلتقطها من يد الطبيبة، ولم يؤذن في أذنها يوم ولادتها، لتكبر بيسان بألم موازٍ للحرمان.

بشائر التي تركها وهي لم تتعد العامين, قالت لي "وأنا صغيرة كنت دايماً أشوف ماما بتعيط بس ما كنت افهم ليش".. لكنّها اليوم كبرت وفهمت وأدركت أن المؤبد قاتل الفرحة وأن السجن ألعن من أي شيء في هذا الوطن الجريح.

عبر الهاتف

فعندما دخلت عُمر العشرين ربيعاً، تقدّم شاب لخطبتها، لتختلط هنا مشاعر الفرحة بالحزن، فكان كمن نبش عن أوجاعها حين طلبها العريس من والدها عبر الهاتف.

عبر الهاتف.. قرأ والد بشائر فاتحتها يوم خطبتها, وفي سجن "ايشل" الإسرائيلي أعدَّ الكنافة حلوانًا للأسرى، تلك التي يسمونها "كنافة العز".

التف الجميع حولها في تلك اللحظة، إلا أن حلقة الأقارب كانت تنقص والدها وهو الأهم في تلك اللحظات بالنسبة لها كي تُقبّل يده، لكنّ ذلك لم يحدث، فبارك والدها الخطوبة عبر الهاتف.

شريط الحزن والألم تجدد لدى "بشائر" حينما أوشكت على إنهاء حياتها الجامعية، فبات يلاحقها كابوس الحرمان خوفاً من إتيان تخرجها ورؤية الآلاف من زملائها يعانقون أبنائهم وبناتهم، ووحده أبوها "عمار" من يبارك لها كما الخطوبة.

قبل شهر من زفافها، جلست "بشائر" على منصة التخرج، رغم أنها أخبرت عائلتها وأقاربها أنها لا تود المشاركة، لأنه سيؤلمها حضور الآباء صورهم وابتساماتهم وأحضانهم وبهجتهم، إلا هي!!

مرت الأعوام، وكل أمنيات بشائر أن يراها والدها مزدانة بفستانها الأبيض، فتنسى سنوات الحرمان التي عاشتها وهو أيضاً، كما تقول!! فكيف ستشعر ليلة الزفاف هذه وهي تخرج من بيتها لبيت عريسها دون دفء يد أبيها يطمئنها ويتمتم لها بالدعاء.

تستذكر ليلة فرحها والذاكرة تخنق قلبها، وهي التي تمنت أن فراغات يديها تُملأ بحنو أبيها، أن يتمتم لعريسها بوصاياه، أن يقول له: "وهبتك قلبي فلا تؤذه".

تتذكر "بشائر"لحظة أن بكت لأمها أمام باب الروضة قائلة: "كل البنات أبوهم جابهم على الروضة وأنا لأ".. هكذا هي لوعة الفراق والأسر في فلسطين!

تناديه "عمو"

حكايات العذابات لم تنتهِ مع عائلة الأسير عمار الزبن المكونة من أربعة أبناء، اثنان منهم (مهند وصلاح) كانوا أول سفراء للحرية عبر نطف مُهربة.

هُنا بيسان التي سُمح لها بزيارة أبيها في السجن بعد أحد عشر عاماً، فرأته لأول مرة من خلف الزجاج اللعين، فنادته (عمو) بدلاً من (بابا)!

أرشيف القهر في ذاكرة بيسان لم يسمح لها نسيان تلك اللحظة يوم أن رأت دموع أبيها والأسرى في غرفة الزيارة تنهمر كخيوط المطر المتسارعة.

وتقول بيسان: "لم أتعود على كلمة بابا في حياتي ولم أقلها طوال الـ11 عامًا فنسيت وقلت له عمو".

حين تتحدث مع بيسان وبشائر تجد أقصى أحلامهما ألا يعيش إخوتهما (مهند وصلاح الدين) اللذين أنجبا عبر النطف المهربة حكايا الوجع وغياب السند كما مرت سنوات عمرهما..

عمار أخ الشهيد وابن الشهيدة، حيث أمه التي استشهدت في خيمة الاعتصام عام 2004 يوم أن أضربت عن الطعام تضامنًا معه.

سفيرا الحرية

"مهند وصلاح" هما أول سفيرين للحرية، أبصرا نورهما للحياة قبل سبعة أعوام تقريباً، وهما اليوم يمضيان حياتهما بين محاولات استذكار ورسم ملامح والدهم "عمار" المُغيب منذ أكثر من عشرين عاماً.

لم يكن الأمر سهلاً على الأسير "عمار" المحكوم عليه بالسجن ستة وعشرين مؤبداً، بتهمة المشاركة في التخطيط والتنفيذ لعدّة عمليات للمقاومة في الضفة الغربية، لا سيما حين صرخ به القاضي في أول جلسة للمحاكمة: "حلمك انه يصير عندك ولد..انساه".

حياة سفيري الحرية ليست كباقي أطفال فلسطين، فهم يحاولان التأقلم على حياة لن ينطقا بها كلمة "بابا"، لكنهما لم يستسلما لهذا الأمر، وها هما اليوم يُكملان دراستهما في مدارس مدينة نابلس.

كيف تم ذلك؟ هنا يسرد "الزبن" تفاصيل الحكاية من البداية، من خلال "رسالة" خصّ بها مراسل "فلسطين"، من خلف القضبان، فيقول " كان الفضل لله أولاً ثم عزيمة زوجته صاحبة المشروع".

ويضيف أن زوجته بقيت تطرح الأمر منذ عام 2002, حتى نضجت الفكرة لكليهما عام 2006 وحالت الظروف دون إخراجه إلى حيّز التنفيذ, فحاولا الزراعة عام 2011 وبعد محاولتَين لم تتكللا بالنجاح, حملت زوجته المحارِبة بعد صفقة وفاء الأحرار التي رفض العدوّ إطلاق سراحه بها, فجاء مهند وبعد عامين جاء صلاح الدين.

ويُكمل: "أمّا الشعور فلا يُكتَب بالكلمات وحسبي أنّي لحظة تهريبي للنطفة قد حرّرتُ جزءاً من روحي وجسدي خارج الأسر, وها هم سبعون من إخواني الأسرى أنجبوا رغم أنف المحتلّ".

الحديث يطول أكثر عن حياة القهر والحرمان المختلطة بالأمل التي عاشتها عائلة "الزبن"، أنه عمار حمدان الزبن الذي وُلد على قمّة جبل جرزيم في مدينة نابلس عام 1975, وله من الإخوة أربعة, استشهد أخوه الأكبر بشار عام 1994م بعد تحرره من الأسر، وقد حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة القدس "أبو ديس".

حيث تم اعتقاله لدى عودته من الأردن, وكانت المرة الأولى التي يغادر فيها فلسطين، مدّة خمسة أيّام فقط, يقول: "لم أكن أدري أنّ العدوّ قد أمسك بطرف خيطٍ يقود إليّ".

ففي الحادي عشر من يناير عام 1998 كان في أقبية التحقيق، يحكي عن أساليب التحقيق التي اعتمدوها معه: "العنف الجسدي من كسر الظهر أو أسلوب الموزة، والخنق دون قيود, إضافة إلى أساليب أخرى كالشبح وعدم النوم المتواصل لأيامٍ عدّة وصولاً للهلوسة".

اخبار ذات صلة