شهدت مدينة القدس المحتلة خلال 2018 مزيدًا من الممارسات والانتهاكات التي طالت البشر والحجر ضمن سياسات حكومة الاحتلال الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو، وأذرعها العسكرية والأمنية، كما يقول مختصان بالشأن المقدسي.
وشجع اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أواخر 2017 بالقدس المحتلة "عاصمة" مزعومة لـ(إسرائيل) الأخيرة على رفع وتيرة العمليات الرامية لتهويد المدينة.
وفي أحدث خطوة، أعلن رئيس وزراء أستراليا، سكوت موريسون، منتصف ديسمبر/كانون الأول 2018، أن حكومته قررت الاعتراف بغربي القدس "عاصمة" مزعومة لـ(إسرائيل).
وأعلن رئيس غواتيمالا السابق جيمي موراليس في الخامس من مارس/آذار الماضي أنه سينقل سفارة بلاده للقدس. وفي 16 مايو/أيار الماضي افتتحت غواتيمالا سفاراتها في المدينة.
وسافر رئيس باراغواي السابق هوراشيو كارتيس إلى فلسطين المحتلة سنة 1948، لافتتاح السفارة الجديدة في مايو/ أيار الماضي قبل نحو ثلاثة أشهر من مغادرة منصبه، ولكن بعد انتخاب الرئيس الجديد ماريو عبده أعلن أن باراغواي ستعيد سفارتها إلى (تل أبيب).
وعقب انتخابه رئيسا للبرازيل، أكد جائير بولسونارو أن بلاده ستنقل سفارتها من (تل أبيب) إلى القدس المحتلة.
وأكملت (إسرائيل) احتلال مدينة القدس سنة 1967 ثم ضمتها في خطوة لم تحظَ باعتراف دولي.
ويقول الباحث في شؤون القدس فخري أبو دياب؛ إن 2018 يسجل من أسوأ السنوات منذ احتلال القدس كاملة إبان حرب عام 1967، وكانت سيئة بامتياز وكابوس على المدينة نتيجة انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي وتعدياته.
وشدد في تصريحات لصحيفة "فلسطين"، على أن الانتهاكات تصاعدت في القدس خاصة بعد إعلان ترامب بشأن القدس في 6 ديسمبر/ كانون أول 2017.
ونبَّه إلى أن نقل السفارة الأمريكية من (تل أبيب) إلى القدس في مايو/ أيار الماضي، أعطى دفعة وشحنات للاحتلال الإسرائيلي لزيادة وتيرة التهويد والهدم والطرد للمقدسيين، وكذلك زادت الحفريات والأنفاق بشكل كبير لتهويد المسجد الأقصى، وخاصة في بلدة "سلوان"، التي تعد الخاصرة الجنوبية للمسجد الأقصى.
وعلى اثر حفريات الاحتلال ومشاريع التهويد، بين أبو دياب وهو الناطق باسم لجنة الدفاع عن بلدة سلوان، أن العديد من التشققات ظهرت حديثًا في مناطق متفرقة من القدس، بسبب سحب الأتربة من تحت الأرض وكذلك والصخور، بعد بدء فصل الشتاء وتساقط الامطار.
وأشار كذلك إلى أن الاحتلال رسخ سيطرته على مناطق واسعة من القدس وأوهم الجميع بأنه يحافظ على الأراضي الخضراء كواحدة من أهم مظاهر المدينة، لكنه بعد السيطرة عليها سمح للمستوطنين البناء فيها .
وشدد على أن (إسرائيل) لم ترد الحفاظ على هذه الأراضي، بقدر ما هي معنية بأن تجعلها استثمار استراتيجي للاستيطان ومشاريع التهويد.
وأكد أن الاحتلال شن حملة على المقابر الملاصقة للسور الشرقي للمسجد الأقصى، ومنع دفن الموتى في جزء منها، وحاول الاستيلاء على الجزء الباقي، وما زالت محاولاته مستمرة سعيًا لتنفيذ مشروع القطار الهوائي من جبل الزيتون بالقدس حتى باب الأسباط إلى القصور الأموية جنوب الأقصى.
وقال أبو دياب إنه "لم يسلم بيت في مدينة القدس خلال 2018 من اقتحامات الاحتلال ومخابراته، فضلاً عن عمليات التوقيف".
وفيما يتعلق بعمليات منع البناء في القدس خلال 2017 و2018، قدم أكثر من ثلاث آلاف مقدسي طلبات لبلدية الاحتلال بعد أن استوفوا الشروط المطلوبة لاستصدار تراخيص بناء، ولم يمنح إلا 16 مقدسيًا فقط في مناطق بعيدة عن محيط الأقصى، بحسب أبو دياب.
تمييز عنصري
في المقابل –كما يقول- قدم أكثر من 10 آلاف مستوطن للبناء وافق الاحتلال على 97% منها، وما تبقى من طلبات لم ترفض وإنما طلبت سلطات الاحتلال تحسينات، عادًا أن ذلك يعكس حالة التمييز العنصري.
وبين أنه في 2018 تزايد إجبار سلطات الاحتلال للمواطنين المقدسيين على الهدم الذاتي، وهو قهر ومعاناة مضاعفة، علاوة على هدم مزيد من المنشآت والمنازل.
وقال إن الاحتلال تعمد افقاد المقدسيين الأمن والأمان، إذ كان يهدم منازل بعضهم ولا يتيح إمكانية البناء للمهدمة بيوتهم، وهدم كثير من المنشآت التجارية لقطع أرزاق المقدسيين، ودفعهم للبحث عن أماكن أخرى.
ولفت الباحث الاختصاصي في شؤون القدس، إلى مشاريع يحاول الاحتلال انجازها في محيط المسجد الأقصى لحجب رؤية الناس والأحياء عن الأقصى، وخنق المسجد ودفع الناس للابتعاد عنه، لأنهم خط الدفاع الأول عنه، في وقت تتسع فيه أعين الاحتلال على المسجد لإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه.
كذلك يهدد الاحتلال مدارس القدس لإجبارها على تغير مناهج التدريس، وإن لم تستجب سيغلقها، تزامنًا مع ضغوط على المؤسسات المقدسية لم يسمح لها بإقامة الندوات والمحاضرات داخل المدينة خاصة التي كانت تتعلق بقضية الفلسطينية والقدس.
وأكد أبو دياب أن الاحتلال قطع شوطًا كبيرًا في تهويد المدينة المحتلة "بعد أن تخلت عنها المؤسسة الرسمية الفلسطينية (السلطة ومنظمة التحرير) والعالم العربي والإسلامي وبقي أهل القدس هم من يواجهون تغول الاحتلال وانتهاكاته".
من جهته وصف الأكاديمي والباحث في شؤون القدس المحتلة جمال عمرو، 2018 بأنه كان "مرًا كالعلقم وكان مليئًا بالآلام بالنسبة لمدينة القدس".
وعدَّ عمرو في اتصال هاتفي مع "فلسطين" أن فصول النكبة اكتملت وكانت بصناعة قيادة السلطة اثر توقيعها اتفاق (أوسلو)، وما تلا من مخرجات وملحقات أمنية وسياسية واقتصادية.
واستدرك "عام 2018 برزت فيه معطيات جديدة ترجمة لكل من أراد للقدس شرًا، وعاش المقدسيون الألم والحسرة على ما يشاهدونه من انتهاكات بحق حضارة القدس وتدمير الوجود الفلسطيني فوق الأرض وتحتها".
وأكد ان الاحتلال تغول في الهدم وزادت ضعف ما كانت عليه في 2017، تزامنًا مع ما يسمى "قانون القومية اليهودي" و"صفقة القرن"، التي هي بمثابة ظل لاتفاق أوسلو.
وتابع عمرو "مأساة القدس تضاعفت وعمليات التهويد والاستيطان من ضمنها مشاريع استراتيجية كبرى"، عادًا أن الاحتلال لم يحلم يومًا أن يتجرأ على ما قام به في هذه السنة، في وقت لم تجد فيه صفقة القرن مكانًا لها إلا بالقدس، حيث نقل إليها مقر السفارة الأمريكية.
وتابع "إذا أراد أن يعرف أحد أين المأساة، فهي في القدس المكان الذي يهدم فيه المقدسي بيته بيده"، فيما طال التنكيل أيضًا الموتى في المقابر الإسلامية بالقدس، إذ انتهكت على نحو غير مسبوق.
وأكد أن إعلان الإدارة الأمريكية بشأن القدس، مهد الطريق لارتكاب الاحتلال المزيد من الانتهاكات بحق المدينة وأهلها، وقد تجاوزت (إسرائيل) بذلك كل الخطوط الحمراء، وأهانت الأمة العربية والإسلامية بجرائمها وانتهاكاتها بحق المقدسات الإسلامية.