فلسطين أون لاين

​فهم النص النبوي في ضوء النصوص الأخرى (3)

...
عبد الفتاح حمودة

فهم النص النبوي في ضوء النصوص الأخرى (3)


فعلى هذا المنهج سار التابعون فمن بعدهم، وظهر واضحًا في دواوين كتب السنة المصنفة على الأبواب, وصياغة تراجم تشير إلى أن من الأحاديث ما لا يمكن أن تفهم فهمًا صحيحًا إلا إذا نظر في غيرها من النصوص الشرعية, ولهذا أمثلة كثيرة منها أن البخاري أورد في كتاب البيوع، في باب من لم ير الوساوس ونحوها من الشبهات حديثين أولهما (2056): حديث عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: " شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ r الرَّجُلُ يَجِدُ فِي الصَّلَاةِ شَيْئًا أَيَقْطَعُ الصَّلَاةَ قَالَ لَا حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا "، والثاني (2057): حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قَوْمًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r "سَمُّوا اللَّهَ عَلَيْهِ وَكُلُوهُ " فالحديثان متباعدان في موضوعهما، لكنهما يشتركان في معنى ضمني وهو أن ما غاب عنا ولم نستيقن أمره لا نتكلف السؤال عنه، وإن ما يعرض بشأنه من الوساوس يجب طرحه وعدم الالتفات إليه وأنه لا يدخل فيما يتقى من الشبهات. نظرية الاعتبار/ 25.

ولقد خدم العلماء هذا المنهج برسم قواعده وتأصيلها، وبذلوا في ذلك جهودا تمخضت عن عدد من العلوم الإسلامية تمثل منظومة متكاملة تساعد على فهم الحديث الشريف فهما مؤيدا بالقرائن التي يغلب معها الظن أنه هو الفهم الصحيح الذي قصده النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هذه العلوم:

1ـ مختلف الحديث: 2 – ناسخ الحديث ومنسوخه: 3 –غريب الحديث: 4 مقاصد الشريعة:

كما ظهرت مجموعة من المباحث المتفرقة في علوم الحديث كمباحث الشواهد والمتابعات وزيادة الثقة، وأسباب ورود الحديث، ومباحث أخرى في علم أصول الفقه كالقياس والتعارض والترجيح، ومباحث الدلالة والسياق. ولو تأملنا في هذه العلوم والمباحث لوجدناها تستوعب كل القرائن المؤثرة في فهم الحديث.

ويلحظ في أوجه المناسبة التي عني العلماء بملاحظتها أنها ذات صلة منطقية بفهم الحديث ومعناه, فإذا ما أرادوا فهمه فإنهم يعملون كل القرائن التي تؤثر في الفهم، من خلال اللغة وقواعدها ودلالاتها, والنظر إلى معهود العرب, والنظر إلى النصوص الأخرى, وفق سياقها والقرائن التي تحف بها, فهو فهم مبني على مرجعية صحيحة, ومعيار سليم, يمكن تطبيقه في فهم النصوص في كل عصر, والاستفادة منه في حلول المشكلات المعاصرة, والتعامل مع صور الحياة المتجددة على نسق منتظم مع اجتهادات العلماء، واستنباطات سلف الأمة، فهذا الفهم يحمي الأمة من جمود الظاهرية وفوضى الباطنية والعقلانية, حتى لا يتجرأ أحد على التأويل بعقله المجرد, الأمر الذي يؤدي إلى الغاء النصوص الشرعية, وإيجاد شرائع جديدة تتعدد بتعدد الأفهام والأشخاص.

وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم