الأصل أنه لا يجوز أن تباشر الحكومة مهامها إلا بعد منحها الثقة من المجلس التشريعي، لكن ما حدث أن الرئيس عام 2007 قد أقال الحكومة العاشرة برئاسة إسماعيل هنية وأعلن حالة الطوارئ.
ثم كلف سلام فياض بتشكيل حكومة جديدة، وللتغلب على عقبة منح الثقة للحكومة من مجلس تسيطر عليه حماس -التي ترفض إقالة حكومتها- عطل الرئيس بعض مواد القانون الأساسي التي تعطي التشريعي حق منح الثقة ومراقبة عمل الحكومة استنادًا لحالة الطوارئ التي سبق أن أعلنها رغم أنه لا يجوز تعطيل مواد القانون الأساسي فإنه تم تعطيل النصوص استنادًا لتفسير فاسد لنص المادة ١١٣ التي قالت :"لا يجوز حل المجلس التشريعي الفلسطيني أو تعطيله خلال فترة الطوارئ أو تعليق أحكام هذا الباب"، وقد فهم المفسر أنه بمفهوم المخالفة يجوز حل المجلس في غير حالات الطوارئ ويجوز تعليق أحكام بقية نصوص وأحكام القانون الأساسي عدا أحكام باب الطوارئ؛ ونقول إن هذا التفسير فاسد لسببين: الأول أن النصوص الدستورية لا تفهم بالمخالفة ولا بد من وجود نص صريح، وإن التفسير يقتصر على إزالة الغموض وجلاء ما أبهم من النص، أما السبب الثاني وهو أن مدلول النص أنه قيد على حالة الطوارئ التي توسع من صلاحيات السلطة التنفيذية، وكأن المشرع يريد أن يقول رغم توسيع صلاحيات السلطة التنفيذية فإنه لا يجوز لها حل المجلس التشريعي ومثيل هذا النص لا مثيل له في بقية الأبواب باعتبار ذلك تحصيل حاصل، ففي الظروف العادية أصلًا صلاحيات السلطة التنفيذية مقيدة ومحددة بنصوص القانون الأساسي ولا يجوز تعديها وإلا وقعت السلطة بعيب الاختصاص وسوء استعمال السلطة.
كما أن الرئيس أعطى لنفسه صلاحية منح الحكومة الثقة بدلًا عن المجلس التشريعي استنادًا لنص المادة ٤٣ التي تنص على: "لرئيس السلطة الوطنية في حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير في غير أدوار انعقاد المجلس التشريعي، إصدار قرارات لها قوة القانون، ويجب عرضها على المجلس التشريعي في أول جلسة يعقدها بعد صدور هذه القرارات وإلا زال ما كان لها من قوة القانون، أما إذا عرضت على المجلس التشريعي على النحو السابق ولم يقرها زال ما يكون لها من قوة القانون". باعتبار أن صلاحية المجلس قد آلت إليه، وهذا الفهم كذلك فهم مشوه لسببين: الأول هو أن الصلاحية الممنوحة للرئيس في هذه الحالة هي صلاحية التشريع فقط دون صلاحية الرقابة على الحكومة ومنها منح أو حجب الثقة عن الحكومة، أما السبب الثاني هو أن هذه الصلاحية منحصرة في حالة الضرورة وفي فترة ما بين دورة انعقاد المجلس الأولى والتي تليها، وهذا ما عبرت عنه المادة "في غير أدوار انعقاد المجلس التشريعي".
وعليه فإن تشكيل حكومة سلام فياض على غير صحيح القانون، إضافة إلى أن حالة الطوارئ انتهت بعد شهر من إعلانها بحكم القانون، كما نصت المادة 110 من القانون الأساسي التي نصت على: "1- عند وجود تهديد للأمن القومي بسبب حرب أو غزو أو عصيان مسلح أو حدوث كارثة طبيعية يجوز إعلان حالة الطوارئ بمرسوم من رئيس السلطة الوطنية لمدة لا تزيد على ثلاثين يومًا. 2- يجوز تمديد حالة الطوارئ لمدة ثلاثين يومًا أخرى بعد موافقة المجلس التشريعي الفلسطيني بأغلبية ثلثي أعضائه". ولم تجدد حالة الطوارئ بطبيعة الحال وبانتهائها ينتهي كل آثارها، رغم ذلك استمر تكليف الحكومات وتعديلها بذات الطريقة وانتقلت رئاسة الوزراء للدكتور رامي الحمد الله بعد استقالة سلام فياض ثم شكلت حكومة التوافق برئاسة الحمد الله كذلك بنفس الطريقة وأضيف إليها توافق حركة حماس وفتح على تشكيلها وهذا التوافق ليس له أي قيمة قانونية.
وبعيدًا عن كل ما ذكر، فلو افترضنا أن الحكومة حائزة للثقة من المجلس التشريعي فما أثر حَل المجلس في حكومة التوافق؟ تنص المادة ٨٣ من القانون الأساسي على: "تعتبر الحكومة مستقيلة ويعاد تشكيلها وفقا لأحكام هذا الباب في الحالات التالية: 1- فور بدء ولاية جديدة للمجلس التشريعي"، رغم أن النص يؤكد أن المجلس لا يمكن حله وأنه يؤكد ما جاءت به المادة ٤٧ مكرر بأن ولاية المجلس تنتهي بأداء المجلس الجديد اليمين القانونية، ولو سلَّمنا بأن للمحكمة الدستورية حَلَّ التشريعي، فكان عليها اعتبار الحكومة مستقيلة لانتهاء ولاية المجلس الذي شكلت في ظل وجوده، ومنحَها الثقة الرئيس بالنيابة عن المجلس.
وهذا يطرح لدي تساؤلًا شخصيًّا: هل قرأ أعضاء المحكمة الدستورية نصوص القانون الأساسي؟