فلسطين أون لاين

​"حماس" من بيروت.. تُعيد الاعتبار لمحور المقاومة

أَحيت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الثالث والعشرين من هذا الشهر، ذكرى انطلاقتها الـ(31) في لبنان بحضور جمهور فلسطيني كبير، وبمشاركة طيف واسع من ممثلي القوى والفصائل الفلسطينية واللبنانية.

كان يمكن لاحتفال حركة "حماس" أن يمر بشكل اعتيادي كسابقاته دون تفكّر أو تدارس عميق، ولكنه في هذه المرّة جاء لافتاً برسائله المتعددة التي لا تخفى على عين المراقب والمتابع؛ فقد ورد في خطاب رئيس حركة "حماس" في إقليم الخارج الدكتور ماهر صلاح العديد من المضامين السياسية، التي تستحق التوقف، وأهمها:

أولاً: إشارته إلى أهمية "التكامل الاستراتيجي" مع المقاومة في لبنان (حزب الله) عندما قال: "نحن في الخارج في صلب المعركة مع الاحتلال، وفي مواجهة ساخنة معه، والشعب الفلسطيني في لبنان يتطلع لأن يكون جزءاً من المعركة القادمة مع العدو الصهيوني في إطار التكامل الاستراتيجي والتفاهم العميق بين المقاومة في لبنان وفلسطين"، ما يؤكد إدراك الحركة لأهمية التحالف مع المقاومة اللبنانية لتفعيل دور الفلسطينيين في لبنان في مشروع التحرير والعودة. ما يعني استعادة حيوية العلاقة بين "حماس" وحزب الله لما للأخير من تاريخ، وحضور وتأثير في المعادلة اللبنانية وخاصة مواجهة الاحتلال الصهيوني.

ثانياً: إعلان ماهر صلاح "وقوف حركة حماس إلى جانب أهلنا وشعبنا الفلسطيني في سوريا الحبيبة ودعمهم حفاظاً على سلامتهم وكرامتهم.."، ودعوته "لإعادة إعمار المخيمات وخاصة مخيم اليرموك، وتسهيل العودة الآمنة إليه مع توفير الخدمات اللائقة وسبل العيش الكريم للنازحين حتى تحقيق العودة إلى أرض الوطن"، في الوقت الذي دعا فيه إلى "أن يكتب الله لسوريا ولشعبها الكريم الاستقرار والازدهار، وأن تستعيد سوريا عافيتها ودورها الرائد في مواجهة المشروع الصهيوني الذي ما زال يجثم على فلسطين وعلى أراضينا العربية".

في هذا حرص واضح من الحركة على استعادة الفلسطينيين في سوريا لدورهم الوطني بعد توفير الحماية لهم وسبل العيش الكريم، الذي لا يتأتى للحركة إلا باستعادة علاقتها بالدولة السورية التي بدأت تتلمس طريقها في العلاج الداخلي عبر الحوار السياسي بين النظام وقوى المعارضة انطلاقاً من انعقاد اللجنة الدستورية المرتقبة بداية الشهر القادم. ما يُزيل الحرج عن الحركة، ويجنبها الاتهام بأنها تقف إلى جوار النظام السوري في مواجهة قوى المعارضة وقطاع من الشعب السوري، ولعل هذا ما يفسر رجاء السيد ماهر صلاح بأن تستعيد سوريا، بكل مكوناتها السياسية، عافيتها ودورها الإقليمي الرائد، كما كانت على عهدها السابق، في مواجهة الاحتلال الصهيوني الذي يُشهر عداءه للفلسطينيين والسوريين واللبنانيين وكافة العرب باحتلاله لفلسطين ولأراضٍ عربية.

ثالثاً: إشارة ماهر صلاح إلى انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، وتأكيده على أن ذلك "الانسحاب سيكون لصالح المقاومة ونصراً لشعبنا وأمتنا". فعلاوة على أن ذلك الانسحاب يعود لأسباب إقليمية دولية بالدرجة الأولى، ويعود بالنفع على العديد من الدول كسوريا، وتركيا، وإيران، وروسيا ..، تعي حركة "حماس" أهمية تقارب تلك الدول المذكورة مع بعضها البعض، وانعكاس ذلك إيجاباً على الأزمة السورية، وعلى المقاومة وحركة "حماس" التي تربطها علاقات جيدة مع تركيا، وإيران، وروسيا، وحزب الله اللبناني، ما يعزز بدوره موقف المقاومة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ويمهّد الطريق لاستعادة الحركة علاقتها مع سوريا التي تشكل نقطة تقاطع والتقاء بين تلك القوى كافة، خاصة بعد أن أبدى وزير خارجية تركيا "جاويش أوغلو" استعداد بلاده "النظر في العمل مع الرئيس بشار الأسد في حال فوزه في انتخابات ديموقراطية ونزيهة".

من هنا فإن احتفالية حركة "حماس" في لبنان استرعت الانتباه، وخاصة أطراف ما عُرف بمحور المقاومة والممانعة وفي مقدمتها سوريا التي ذُكرت في ثنايا خطاب الدكتور ماهر صلاح سبع مرّات، إضافة إلى تذكيره بالشيخ السوري عزالدين القسام الذي تحوّل بجهاده في فلسطين إلى أيقونة ورمز لدعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

إنّ اقتراب الأزمة السورية من ركوب قطار التسوية السياسية الداخلية برعاية روسية إيرانية تركية، سيُسرّع العلاقة بين أركان محور المقاومة والممانعة تحت عنوان دعم القضية الفلسطينية ومواجهة المشروع الصهيوني الذي يتغلغل في المنطقة عبر جسور التطبيع مع العديد من الأنظمة الساعية لنيل رضا واشنطن لتثبيت شرعيتها في ظل التحولات التي لم تستقر بعد في عموم المنطقة العربية.

وإذا كانت الخلافات السياسية أبعدت أطراف محور المقاومة عن بعضها البعض نتيجة الموقف من التحولات المجتمعية والأزمات الداخلية، فإن تغوّل الصهاينة والأمريكان في سياق هذه التحولات، ومحاولة تجييرها لخدمة أجندات مشبوهة، كان له عظيم الأثر على الدول والقوى، التي لا زالت على عهدها بالعداء للمشروع الصهيوني، لاستعادة بوصلتها ورشدها على قاعدة حماية مصالح شعوب المنطقة، وحماية القضية الفلسطينية حتى التحرير والعودة، وهو القاسم المشترك الذي يمكن البناء عليه.

--