فلسطين أون لاين

​مدرسة "قرطبة" بالخليل تتحدّى 4 مستوطَنات منذ 40 عامًا

...
معلمو المدرسة وطلابها يقفون للسماح لهم بالوصول للمدرسة
الخليل / غزة - طلال النبيه

منذ أكثر من 40 عامًا، ولا زالت مدرسة قرطبة، تحتفظ بهويتها الفلسطينية بعزيمة وإرادة إدارتها وطلابها، رغم وقوعها وسط تجمع استيطاني، مكون من 4 مستوطنات تقع في البلدة القديمة لمدينة الخليل، جنوب الضفة الغربية.

ومن بداية شارع الشهداء وصولًا إلى المدرسة يصل 163 طالباً وطالبةً إلى مقاعد الدراسة بصعوبة كبيرة، نتيجة نصب الاحتلال الإسرائيلي لحواجز الكترونية وحديدية، تحيط بالمدرسة مع مكعبات اسمنتية. ويقابل المدرسة مستوطنة "بيت هداسا"، ويحيطها مستوطنات "بيت رومانو"، "أبراهام هبيلوم"، "رامات ايشاي".

ويحتاج الطلبة والمعلمون إلى نحو 40 دقيقة للوصول إلى المدرسة، بدءاً من مدخل شارع الشهداء، عدا عن الساعات التي يقضونها على الحواجز الإسرائيلية في محيط المدينة والبلدة القديمة، إذ يفصل الحاجز رقم 56 بين منطقة H1 وH2.

ويؤدي "درج قرطبة" إلى المدرسة والذي رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية، مؤخراً، فتحه أمام المواطنين الفلسطينيين، والتي أغلقه جيش الاحتلال الإسرائيلي عام 2015م، بزعم "الواقع الأمني المعقد" في الخليل، لتشدد الخناق على الطلاب قبل أيام بنصب بوابة الكترونية.

صعوبات لا تتوقف

مديرة المدرسة نورا نصار، أوضحت في حديث لـصحيفة "فلسطين" أن المدرسة تقدم تعليمها إلى الطلبة من الصف الأول الابتدائي حتى العاشر الثانوي، ويتم تفتيشهم من قوات الاحتلال بشكل مريع ومهين، إلا أنهم مصرون على الوصول برفقة المعلمين إلى المدرسة بشكل يومي، مشيرة إلى أن مرورهم عبر الحواجز الإسرائيلية يخضع لمزاج الجنود الإسرائيليين.

وقالت نصار في حديثها، إن الاعتداءات الإسرائيلية من جنود الاحتلال والمستوطنين لا تتوقف بحق الطلبة والمعلمين، منبهة بأنها والمعلمات تواجه اعتداءات المستوطنين بقوة ورفض كبير للهجوم على المدرسة.

وتعمل نصار في إدارة المدرسة منذ سنوات، أصيبت خلالها مع عدد من الطلاب بفعل اعتداءات المستوطنين عليهم مستذكرة المستوطن المتطرف "عوفر يوحنا" الذي يهاجم المدرسة والطلبة بشكل متكرر.

ورغم ضيق المدرسة المكونة من 11 شعبة، إلا أنه تشهد إقبالاً كبيراً من أهالي البلدة القديمة في الخليل، وأبنائهم الطلبة، في سبيل حرصهم على عدم تركها للمستوطنين وهجماتهم المتكررة، واحتلالهم للبلدة.

وأكدت نصار إلى أنه خلال السنوات الماضية زاد عدد الطلبة، مشددة على استمرار المدرسة في عملها رغم كل الاعتداءات الإسرائيلية، "وهي أبسط الحقوق الأساسية للأطفال، ونسعى لتحقيقها كاملة".

ومع إحكام الاحتلال الإسرائيلي الإغلاق في شارع الشهداء منذ عام 1994م، عقب مجزرة الحرم الإبراهيمي، منع الفلسطينيون المرور عبره إلا بتصاريح خاصة ونادرة الإصدار، ليضطر مئات العائلات الفلسطينية والطلبة وذويهم إلى سلوك طرق التفافية ووعرة.

طرق التفافية

منتصر اغريب، أحد طلبة المدرسة، في الصف الخامس الابتدائي، تعرض لحادث دهس، من احد المستوطنين قرب المدرسة، في شهر سبتمبر الماضي الأمر الذي أثر عليه سلباً، في حين تحاول أسرته التغلب على آثار الجريمة.

وتقول هيام اغريب، والدة الطفل منتصر وشقيقته دلال، لـصحيفة "فلسطين": "كأم لأبنائي الطلاب، نحرص كباقي الأمهات على التواصل مع المدرسة للاطمئنان على أبنائنا، إلا أننا نضطر لسلوك طرق وعرة طويلة وشاقة، كأراضي المزارعين ومن بين أشجار الزيتون، للوصول إلى المدرسة".

وأكدت اغريب في حديث لـ"صحيفة فلسطين" أنها تحاول التخفيف من الآثار النفسية التي تعرض لها ابنها نتيجة دهسه من قبل أحد المستوطنين"، مشيرة إلى أن شرطة الاحتلال الإسرائيلية رفضت إعطائهم مواد مرئية بكاميرات المراقبة الإسرائيلية توثق لحظات دهس المستوطن لابنها.

وقالت": "أبنائي كباقي الطلبة يتعرضون للتفتيش وانتهاكات صعبة وكبيرة، وإفراغ حقائبهم المدرسية، الأمر الذي يؤدي إلى اتلاف الكتب خصوصاً في فصل الشتاء".

لكنها في مقابل ذلك تشدد على أنهم يزرعون حب الوطن وتحدي الاحتلال وتعزيز الحفاظ على الهوية الفلسطينية في نفوس أطفالهم لعدم القبول والخضوع للانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية.

ويعد طريق "درج قرطبة" طريقاً أساسياً، يصل السكان في منطقة تل الرميدة بشارع الشهداء، ويربط شمال الخليل بجنوبها، ويخدم 70 ألف نسمة، مقابل 700 مستوطن إسرائيلي يحميهم 3 آلاف جندي إسرائيلي.

سياسة متدرجة

محمد الزغير، الناطق الرسمي باسم تجمع شباب ضد الاستيطان، أوضح في حديث لـصحيفة "فلسطين" أن الاحتلال الإسرائيلي عمل منذ إغلاقه لشارع الشهداء عام 1994م إلى توفير الأمن والحماية للمستوطنين الذين يسكنون في مستوطنات وسط مدينة الخليل، وتقسيمها إلى 4 أقسام.

وقال الزغير: "منع الاحتلال للفلسطينيين من المرور عبر طريق درج قرطبة، يشكل عائق كبير لهم في الوصول إلى منطقة تل الرميدة والمناطق الحيوية القريبة منها"، مشيراً إلى أنه كان المتنفس السريع لمن يرغب في الوصول إلى منطقة شارع الشهداء.

وبين الناشط ضد الاستيطان الإسرائيلي، أن هدف الاحتلال من إغلاق الطريق، هو إبعاد السكان الفلسطينيين عن منطقة شارع الشهداء وإجبارهم على السلوك والمرور بطرق أخرى والابتعاد عن مستوطنة "بيت هداسا" الموجودة على بداية طريق "درج قرطبة".

وعلى مدار أكثر من 20 عاماً، تدرجت سياسة الخنق الإسرائيلية بحق مدينة الخليل وحرم المسجد الإبراهيمي ومنطقته وإغلاق شارع الشهداء، وما فيها من بيوت أثرية ومدارس ورياض أطفال، مقابل تطويرها للمستوطنات وتكثيفها للحواجز العسكرية، التي تحتجز خلالها أطفال وطلاب المدارس وأهالي المنطقة.

ويبلغ عدد المستوطنات في محافظة الخليل نحو 30 مستوطنة؛ إضافة لأكثر من 25 بؤرة استيطانية، فيما تفرض سلطات الاحتلال إغلاقًا شاملاً على البلدة القديمة، وتصدر قرارات عسكرية تمنع دخول الزوار وغير السكان إليها.