ألبس رئيس السلطة محمود عباس "توصية" المجلس الثوري لحركة فتح بحل المجلس التشريعي، ثوب المحكمة الدستورية مقابل تأكيد خبراء عدم اختصاص أي منهما بمثل هذا القرار، عدا عن تشديدهم على أن المحكمة المذكورة منشأة بقرار "غير شرعي".
وجاء إعلان عباس، أول من أمس، رغم تأكيد رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس إسماعيل هنية استعداده لقاء الأخير، واستعداد الحركة للذهاب مباشرة لتشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء الانتخابات العامة لرئاسة السلطة و"التشريعي" والمجلس الوطني بعد ثلاثة أشهر.
لكن عباس أوضح أن "الدستورية" دعت إلى انتخابات تشريعية خلال ستة أشهر، ولم يتطرق لانتخابات رئاسة السلطة أو المجلس الوطني.
وأمس، قال النائب الأول لرئيس "التشريعي" أحمد بحر: إن تشكيل "الدستورية" غير شرعي استنادًا لأحكام قانون المحكمة الدستورية رقم 3 سنة 2006.
وتتمتع حماس بأغلبية في "التشريعي"، بعد اكتساحها نتائج الانتخابات التشريعية في 2006م، بحصولها على 76 مقعدًا من أصل مقاعده البالغة 132. ولطالما واجه عباس اتهامات بتعطيل المجلس.
وتنص المادة 47 مكرر من القانون الأساسي الفلسطيني على أن مدة ولاية المجلس التشريعي القائم تنتهي عند أداء أعضاء المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستورية.
ويقول الخبير القانوني اللبناني حسن جوني: "نتائج الانتخابات في 2006 مثلت الشعب الفلسطيني".
ويوضح جوني لصحيفة "فلسطين"، أن قرار عباس يأتي "لخلط الأوراق" في الوقت الذي يشمل فيه العدوان الاحتلالي الضفة الغربية، ويثبت أن القضية الفلسطينية واحدة في الضفة وغزة والأراضي المحتلة سنة 1948، وأن محاولة الاحتلال الفصل بين هذه المناطق فشل بشكل واضح رغم ملاحقته المقاومين.
ويذكر جوني أن الخطاب الأخير لهنية خلال مهرجان الذكرى الـ31 لانطلاقة حماس، كان واضحًا في تأكيد مكانة الضفة الغربية في مقاومة الاحتلال، مردفًا: "ربما اعتقدت قيادة السلطة أن ذلك قد يؤثر فيما بعد، وأن تعود الثورة والانتفاضة للضفة مرة أخرى".
ويشير إلى أن قيادة السلطة تواصل "التعاون" الأمني مع (إسرائيل) في الضفة الغربية، وتناهض المقاومة المسلحة.
وعن دعوة "الدستورية" على لسان عباس لانتخابات تشريعية، دون توافق، يتساءل جوني عما إذا كانت الظروف مؤهلة لإجرائها، معربًا عن خشيته من أن يؤدي ذلك إلى مزيد من الخلاف الفلسطيني الداخلي.
ويعتقد جوني أن الظروف الإقليمية لا تساعد في إجراء الانتخابات التي تحدث عنها عباس، على نحو يحمي القضية الفلسطينية ويدفع باتجاه تحرير الأرض المحتلة.
ويتابع بأن عباس يريد القول: إن انتخابات تشريعية جديدة ستؤدي إلى نجاح حركة فتح في الضفة وإضعاف حماس، لكن الشعوب العربية والإسلامية لا تنظر إلى الأمور من هذا المنطلق، وإنما تؤمن بأن المقاومة وفلسطين واحدة وموحدة.
ويحذر جوني من أن قرار حل "التشريعي" يزيد الشرخ الفلسطيني في الوقت المطلوب فيه تقوية الوحدة الوطنية.
ويضيف: العمليات الفدائية الأخيرة في الضفة أثبتت أن الشعب الفلسطيني واحد وقضيته واحدة، خاصة أن هنية أكد استعداده لقاء عباس، وهذا ما كنا نتمناه كون وحدة الشعب مهمة، لكن عباس "خلط الأوراق" من جديد.
ويلفت إلى أن الساحة الفلسطينية لا تتحمل المزيد من الخلافات، مبينًا أن قرار حل "التشريعي" يسهم في فصل الضفة عن غزة، ولا يزيد من لحمة الشعب.
لا مبرر ولا سند
من ناحيته، يقول رئيس المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج أنيس القاسم: لا يوجد سبب أو مبرر أو سند لإصدار قرار حل "التشريعي"، الذي وصفه بأنه يعبر عن عجز قيادة السلطة ومنظمة التحرير وتخبطها.
ويضيف القاسم لصحيفة "فلسطين" أن ما يقضّ مضاجع الفلسطينيين هو عجز السلطة عن اتخاذ إجراءات ناضجة ورشيدة تتصدى لصفقة القرن وتوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي.
ويتابع بأن قيادة السلطة تفتقر لوجود مخطط أو سياسة أو إستراتيجية، وقد استنفدت كل قدراتها منذ عقد من الزمن.
وينبه إلى أن رئيس السلطة فاقد الشرعية منذ 10 سنوات، واصفا السلطة بأنها "بائسة" وموجودة برغبة "الحاكم العسكري" الإسرائيلي بموجب اتفاق أوسلو الذي وقع عليه عباس.
ويدعو القاسم إلى التخلص من السلطة، عبر الخروج من اتفاق أوسلو، متهمًا السلطة بأنها "فاسدة وتخدم الاحتلال"، وفق قوله.
ولطالما قال الثمانيني عباس: "نحن نشتغل عند الاحتلال"، "أنا عايش تحت البساطير الإسرائيلية"، "التنسيق الأمني مقدس".
ويشير القاسم إلى تأكيد عباس أنه لا يستطيع الوصول إلى مكتبه في رام الله دون إذن "الحاكم العسكري".
ويتهم القاسم عباس بأنه يتمسك بالسلطة لأنها تمثل له وللطبقة الحالية الحاكمة "تجارة"، مردفًا: "من لا يصدق هذا فليطلع على ميزانية الحكومة".
ويطالب رئيس "المؤتمر الشعبي" بإجراء انتخابات جديدة للمجلس الوطني لإفراز قيادة له.
ويقلل القاسم من شأن موقف عباس، قائلًا: إن الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج قادر على فرض التغيير عليه.
وكان عباس قابل اتفاق المصالحة الموقع في القاهرة بأكتوبر/ تشرين الأول 2017، باستمرار فرض الإجراءات العقابية على قطاع غزة، ورد على تفاهمات بيروت في يناير/ كانون الثاني 2017 حول المجلس الوطني، بعقده منفرداً في رام الله بالضفة الغربية المحتلة نهاية أبريل/ نيسان الماضي.