القرار المفاجئ الذي أعلنه رئيس السلطة محمود عباس بحل المجلس التشريعي، والذهاب إلى انتخابات تشريعية، تنفيذًا لقرار المحكمة الدستورية أعاد الانقسام الفلسطيني إلى مربعه الأول؛ فقد أتى هذا القرار المفاجئ بعد أيام قليلة فقط من دعوة أطلقها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية للقاء عباس، وإتمام ملف المصالحة الفلسطينية، والذهاب إلى انتخابات فلسطينية رئاسية وتشريعية خلال ثلاثة أشهر، برعاية دولية وعربية.
قرار عباس من حيث فداحة نتائجه السلبية على القضية الفلسطينية يوحي برغبته في تدمير النظام السياسي الفلسطيني، وفصل غزة عن الضفة؛ فعقد الرجل سابقًا المجلس الوطني في رام الله دون توافق وطني، وأصر على عقد المجلس المركزي منفردًا، دون شراكة سياسية، حتى من أقرب الفصائل لحركة فتح التي تهيمن على السلطة في رام الله.
واليوم يبدو واضحًا أن عباس ماضٍ في قرار حل المجلس التشريعي، المؤسسة البرلمانية التي يفترض أن يجتمع تحت قبتها الفرقاء السياسيون تعزيزًا للوحدة والحوار لا العداء والانفصال.
عباس ضرب بالقانون الأساسي الفلسطيني عرض الحائط حين منع رئيس المجلس التشريعي بقوة السلاح من الدخول إلى مقر المجلس برام الله بعيد الإفراج عنه من سجون الاحتلال، وكذلك حين رفض التخلي عن منصب رئاسة السلطة رغم انتهاء ولايته القانونية، وأيضًا حين استخف العوار القانوني الذي صاحب تشكيل المحكمة الدستورية مخالفًا القانون الأساسي الفلسطيني.
رغم معرفة عباس المسبقة أن قراره حل المجلس التشريعي لن يكون له تأثير ميداني على الأرض انتزع صلاحيات التشريع مخالفًا القانون، وعطل المجلس التشريعي بقوة السلاح في الضفة، أما غزة فهو يوقن أنه لن يتمكن من فرض قراره عليها بسبب سيطرة حماس الميدانية على الأرض، التي لن تستجيب لقراره، لانتهاء ولايته القانونية منذ تسع سنوات.
قرار عباس خطوة تدميرية للنظام السياسي الفلسطيني، وإنهاء فعلي لملف المصالحة، وخطوة حقيقية نحو فصل غزة عن الضفة، وهو يأتي مع انسداد أفق برنامجه السياسي الذي لم يتبق منه سوى عار التعاون والتنسيق الأمنيين الشائنين مع جيش الاحتلال.
لسان الحال يقول إن قرار عباس حل المجلس التشريعي يأتي في سياق الرد على مبادرة إسماعيل هنية لإتمام المصالحة الفلسطينية، وقدرة حماس الميدانية على تنفيذ عمليات مقاومة ناجحة في الضفة المحتلة، ورسالة غضب من عباس لتجاوزه في ملف إدخال المساعدات والأموال القطرية إلى غزة رغم رفضه المعلن، والانفتاح المصري على حماس، والترحيب الروسي بهنية في موسكو.
من الواضح أن عباس يسعى بقراره المفاجئ إلى تفجير قنبلة سياسية، تصيب شظاياها الجميع؛ فهل ينجح في ذلك أم ترتد تلك الخطوة السياسية عليه فتصيبه في مقتل؟