أَشْتركُ – وغيري كُثُرٌ أيضاً – في وكالة "معاً" الإخبارية عَساني أُتابع آخر التطورات في الوطن المنكوب ومن بين رزاياه بإعلامِهِ الذي تَذْهَبُ العديد من وسائلهِ إلى حد التماهي مع تلك التي يمتلكها العدو ويُحسِنُ استعمالها "حَدَّ الإبداع"؟!
تلقيت منذُ بضعة أيام من وكالة "معاً" خبراً صادِماً ليس بسبب فحواه ولكن لدرجة التطبيع الآسن الذي احتواه! والنص يقول: "هزة أرضية خفيفة تضرب فلسطين و(إسرائيل)"، نعم هكذا وحرفياً؟؟!
فهل يُعْقلُ أن يَصِلَ بنا حد "الهوان السياسي والتطبيع الإعلامي والثقافي إلى هذا المُنحدر؟" وهل أصبحت دولة المستوطنين في فلسطين المحتلة جارةً تقتسم معنا الأفراح والأتراح؟
وكالة "وفا الرسمية" كما يَدّعي البعض عند ذكرها، تُبْحرُ أيضاً في ذات الاتجاه وقد تُزايِدُ على وكالة "معاً" وهكذا العديد من "صُحف رام الله" وما يُسمى بتلفزيون "فلسطين"!
الكثيرون من ضباط الأجهزة الأمنية من أبناء ونزلاء مقاطعة رام الله المحتلة مُحترفي التخابر الأمني مع جيش الاحتلال النازي يشاركون "أشقاءهم ذوي الرُتب السّامية" في دولة العدو حين يتزوجون أو حين يُعقدُ أحد أنجالهم قرانه، وتسبقهم الورود التي تُنْصبُ على المداخل كي يرى هذا العار القاصي والداني من المستوطنين والنازيين القتلة والسفراء وجمع الدبلوماسيين من حلفاء وأصدقاء "تل أبيب"!
كما أننا لا يمكن أن ننسى وفود ورسائل التعزية في "الفقدان الجَلَل" لقياداتهم حين يجتاحهم قطار الموت من أمثال إسحق رابين، وامنون شاحاك، وأرييل شارون، وشيمون بيريز ودونَ خجل أو وجل. أما المساهمة في إطفاء الحرائق فحدِّث ولا حَرَج وقد وقع ذلك في عديد المرات، رغم أن الذين شاركوا فيه من "سِباع" الدفاع المدني قد تم فحصهم أمنياً وانتظروا عدة ساعات حتى يُسمح لهم بالدخول إلى "وكر الجيران"، بل وكانوا تحت الرقابة الأمنية اللّصيقة، حتى أنهوا مُهمَّتهم "بنجاح"؟!
الإعلام الصهيوني، لم يزل تأثيره قوياً على الكثير من الصحفيين الكتَبَة والعاملين في الأجهزة والوسائل الإعلامية الرسمية "الفلسطينية" المختلفة في التقليديّ منها وفي الإعلام الجديد.
ونلحظ ذلك التأثير الخطير فيما نكتب أو نقول، وهو الذي يُشكل ثقافتنا ووعينا وفقاً لما يريده ويخطط له العدو.
ولهذا نَجِدُ البعض يَصِفُ أبناء شعبنا المنزرعين في وطننا فلسطين في الجزء الأكبر الذي اُحتلّ عام 1948، "بالأقلية العربية" أو "العرب الإسرائيليين" أو يُقَسّمون طائفياً، أو يوسَمون بأنهم أعراقٌ متنافرة، كالدروز والمسيحيين، أو البدو وهذا هو التمييز العنصري الذي حاول قادة الاحتلال زراعته حتى اليوم دون جدوى، وها هم يتظاهرون ويرفعون الأعلام الفلسطينية في أم الحيران في النقب وفي عرعرة وفي أم الفحم ويواجهون المستوطنين اليهود الذين قَدِموا من أركان الأرض الأربعة.
ونقرأ كثيراً ما نَصّهُ: (تظاهر عشرات الفلسطينيين في (إسرائيل) احتجاجاً على قتل الشرطة لأحد العمال في ميناء أَشدوت!!)، وهنا يظهر "الفلسطينيون كنكرة وكأنهم من السكان الذين يعيشون في دولة الاحتلال أو أنهم ليسوا مُكَوّناً عضوياً من الشعب الفلسطيني الذي يُواجه عدواً يَستوْطنُ أرضه ويَقْتلُ بنيه ويُصرُّ على الرباط والمواجهة حتى تحرير وطنه فلسطين من النهر إلى البحر.
إن من واجب الإعلام الفلسطيني المقاوم مواجهة هذا التطبيع الثقافي بالتصويب الاصطلاحي الذي يُنَمّي الوعي ويؤسس لثقافة وطنية تستعيد الأسماء، أسدود، أم خالد، بيسان وهي نماذج لمحاولات العدو المسمومة لغسيل الأدمغة التي باتت تُحوّل فلسطين المحتلة إلى "الأراضي التي نتفاوض عليها"، كما يقول المفاوض "الفلسطيني" أو "ولقد أبدى الوفد استعداده لتبادل الأراضي" وكأن وطننا المقدس قابل للقِسمة؟!
في هذا السياق، لا بد من العمل الإعلامي الوطني الجاد والمسؤول لترسيخ وتحصين العقل الفلسطيني لمواجهة العدو وعلى كل الجبهات، في الوقت الذي يُثبت فيه أغلبية رجال الإعلام الوطنيين، الذين يقدمون أرواحهم قبل أقلامهم فداءً لهذا التراب المقدس في فلسطين، فَيُحيلون الميدان الإعلامي إلى أرض معركة حقيقية توازي الميدان العسكري لتتآكل روحه المعنوية كما تآكلت قدرات جَيْشهِ الردعية، حتى أضحى هذا الإعلام الفلسطيني المقاوم بامتياز المرجعية الصادقة والأمنية للشعب الذي يلتف حول مقاومته حتى إنجاز أهدافه الثابتة وغير القابلة للتصرف في فلسطين الحُرَّة والمستقلة وكاملة السيادة.