يدرك الاحتلال الإسرائيلي أن الضفة الغربية ساحة المواجهة الفعلية التي تستطيع أن تقلب المعادلة في ساحة الصراع، لاعتبارات كثيرة، وهي ذاتها الاعتبارات التي ترى المقاومة أنها مطلوبة لتهيئة البيئة المناسبة لإعادة تفعيل المقاومة، كجزء من الصراع مثلما الحال هو في ساحة قطاع غزة، وليست بدلًا عنها.
البعد الجغرافي يلعب دورًا مهمًا في الصراع بالضفة الغربية، حيث إنّ التأثير الكبير يكون ملموسًا ومؤثرًا على المستوطنين في الضفة الغربية، وبالقرب من المدن الإسرائيلية، ويزيد فرص الاحتكاك المباشر والتأثير بالخوف والفزع وعدم الشعور بالأمان.
المواجهة في الضفة تفتح ملف التنسيق الأمني على مصراعيه أمام الرفض الشعبي الواسع في الضفة، بل يتحول إلى نقمة على السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، وقد شاهدنا المواقف الشعبية من ذلك، ونبذ ورفض كافة أشكال التنسيق الأمني الذي أصبح ينحصر في الأجهزة الأمنية.
روح المقاومة متوقّدة وحاضرة بقوة في الضفة الغربية رغم سنوات الحصار والمطاردة والاعتقالات التي تطال الآلاف وتتكرّر كل ليلة وتصل إلى أدنى المستويات من الاتهامات، بينها النشر عبر منصات التواصل الاجتماعي أو إقامة الأفراح أو الخطب في المساجد، أو الأنشطة الطلابية، أو مساعدة عائلات الشهداء وتقديم العون للمحتاجين وقائمة تطول من التضييق لتحوّل حياة الفلسطيني إلى جحيم، لكن مردودها الأسرع هو عمليات يقوم بها الشبان بشكل فردي كما حادثة إصابة الجندي الأخيرة في رام الله, التي قام عليها فتى فلسطيني، نتيجة الإذلال الذي يتعرض له من قبل جنود الاحتلال.
في الضفة تعود المقاومة المسلحة التي تمثل كابوسًا للاحتلال الإسرائيلي وبجرأة عالية كما حدث في علميات الشهيدين أشرف نعالوة وصالح البرغوثي، والتي تعدّ عمليات منظمة وتقف خلفها الفصائل، وفي مقدمتها كتائب القسام، التي يتضح أنها عادت للعمل هناك وبقوة، لكن بحذر شديد، وسط مزيد من الدعم الشعبي وتوسيع الحاضنة الشعبية التي تمثل الوقود الذي يحمي المقاومة ويساعدها على التقدم سريعًا.
على الرغم من مرور 16 عاًما على عملية الاحتلال في الضفة واجتياحها بالكامل، واستمرار التنسيق الأمني، والاجتياح اليومي للمدن الفلسطينية في الضفة، كل ذلك لم يأتِ بنتائج لصالح الاحتلال، بل يبدو أن الأمن هشّ هناك، وقابل للانهيار بأي لحظة، لتبقى الضفة ساحة المواجهة الفعلية التي يمكن أن تتطوّر في مدة قصيرة تطورًا نوعيًّا نحو تنفيذ موجة عمليات مسلحة تقوم نحو انهيار أمني للاحتلال تتصدر فيها الضفة المشهد في قيادة الصراع مع الاحتلال، وظهرها مستند للمقاومة في غزة التي تحوّلت إلى نموذج من المقاومة المسلحة المحتضنة شعبيًا، لكن كل ذلك يحتاج للصبر وطول النفس في الصراع.