مفهوم النصر لا يرتبط فيما يحسب بحجم الخسائر، ولكن بمدى تحقّق أهداف العدو، لا سيما حين يغيب التكافؤ بين الأطراف في العدد والعدة. يروى عن ابن عباس حبر الأمة أنه كان يرى في معركة أحد نصرًا لم يكن مثله في بدر الكبرى، وكان يقول ما نصر الله رسوله الكريم كما نصره في أحد، وهذا خلاف ما شاع في المدارس، وما كانت تراه قريش، التي زعمت أن يوم أحد كان بيوم بدر.
لماذا رأى ابن عباس النصر في أُحد مؤزّرًا؟ الجواب لأنه نظر في أهداف المشركين من المعركة فلم يجد فيها هدفًا قد تحقق. كانت أهداف قريش قتل النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما. وكسر شوكة المسلمين وإضعافهم وتركيعهم، والظهور بمظهر القوي وصاحب الردع أمام قبائل العرب.
هذه الأهداف لم يتحقّق منها شيء البتة، فلم يقتلوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولا صاحبيه، ولم يكسروا شوكة المسلمين، إذ تمكن المسلمون من ملاحقتهم في حمراء الأسد، واضطروهم للانسحاب، ولم تعلُ راية قريش بين القبائل، بعد خوفهم من ملاقاة المسلمين في حمراء الأسد.
معركة أحد كانت شرسة، وكانت خسائر المسلمين كبيرة، وقتل في المعركة حمزة أسد الله، وأسد رسوله، وكسرت رباعية رسول الله، ومع ذلك كانت أحد في نظر عبد الله بن عباس نصرًا للمسلمين لا مثيل له.
إن ما قلناه آنفًا في أحد يمكن قوله في حروب (إسرائيل) الثلاثة ضد غزة، لأن دولة العدو لم تحقق أهدافها رغم الخسائر التي أصابت غزة. وهو ما نقوله في اغتيال العدو لأشرف نعالوة، وصالح البرغوثي قبل أيام قليلة، لأن العدو حين ينجح في القتل بمعاونة العملاء، لا ينجح في تحقيق أهدافه بمنع المقاومة في الضفة وتركيع شبابها. اغتال العدو محمود المبحوح في دبي، واغتال محمد الزواري في تونس، واغتال البطش في ماليزيا، ومع ذلك فشل في تحقيق أهدافه، حيث خرج له أشرف نعالوة، وصالح البرغوثي، حيث يتواجد بقوة، وقتلوا مستوطنيه، ولولا الخيانة والتنسيق الأمني ما تمكن العدو من قتلهما، ومع ذلك ستخرج له بذرة نعالوة والبرغوثي التي سقوها بدمائهما الزكية ألف سنبلة مقاتلة لا تحنى رأسها إلا للشهادة.