تعدّ الأحداث التي تتسارع في فلسطين والإقليم محطة مهمة لفتح ملفات قديمة بنيت على أسس العمق الشعبي بضعف وشكليات وعلى الإسناد الإقليمي والدولي بأساسيات وبلا ملاذ، لتفتح التطورات الأخيرة هذه الصفحات مع ميزة جديدة وهي "قابلية التعديل" الأمر الذي يقودنا إلى سيناريوهات المرحلة القادمة.
في الضفة الغربية قوة المقاومة ونوعية عملياتها وتوسع الحاضنة الشعبية لها بالتزامن مع حالة الغضب الشديد في أوساط المواطنين على اختفاء دور السلطة الطبيعي وهو حماية الشعب من الانتهاكات؛ في الوقت الذي تتزايد فيه الاعتداءات والخروقات الأمنية من قبل السلطة بحق المواطنين من قمع واعتقال وتضييق وإغلاق لمؤسسات داعمة للأسرى والشهداء وتجاهل لتفعيل الملفات المهمة على الساحة الدولية، لتكون آخر تلك الضغوطات قانون الضمان الاجتماعي المرفوض من قبل أغلبية الشارع الفلسطيني الذي يعدّه فاقدًا للأمان والتأمين وللضمان نفسه في ظل وجود لجنة معينة غير منتخبة وغياب التعهدات بعدم تضارب المصالح ومصادر وآليات المشاريع الاستثمارية وغيرها.
أضاف ذلك إلى معادلة الضغط التراكمي الشعبي نقطة خطيرة تمس جوهر حياته وهي لقمة العيش؛ وهنا بالحديث عن لقمة العيش المهددة والأمان المفقود والعدالة الاجتماعية التي لن تتحقق في ظل الاحتلال وبعثرة القوانين باتت الغضبة لدى المواطن كبيرة تذهب بنا للانفجار في وجه كل ما يتعارض مع القيمة المثلى التي يبحث عنها الإنسان وهي الكرامة؛ لذلك فإن القراءة للمشهد الأخير تعكس لنا تصعيدًا مرتقبًا في المرحلة المقبلة واستعادة المواطن الثقة بقدراته مجتمعة والثقة بإبداع مقاومته وأيضًا تخلصه من الخوف والرعب والتسويف وهذه تتحقق بتسارع مؤخرًا بعدة أوجه:
* تصاعد المقاومة بطرق إبداعية وقوية كما الشهداء نعالوة والبرغوثي ومطير وأيضًا المطاردون الآن منفذو عمليات مستوطنة "بيت إيل" بالرصاص والحجر والاستيلاء على الأسلحة والتمكن من الانسحاب بسلام.
* توسع كبير في الحاضنة الشعبية للمقاومة وبرز ذلك من خلال المشاركة الواسعة في المسيرات الداعمة للمقاومة في غزة أو المنددة بممارسات الاحتلال في الضفة، كما أن من تلك المشاهد التواجد الجماهيري في منازل المطاردين والتصدي لمحاولات الهدم كما في منزل أبو حميد والبرغوثي ونعالوة كلها فقدت تلك الصور في السنوات الماضية.
* حالة التعاطف والتأييد الكبيرة في الأوساط الشعبية إسنادًا للمقاومة بعد عمليات الكورنيت وكمين العلم.
* المشاركة الكبيرة والحاشدة للمواطنين في حراك رفض قانون الضمان الاجتماعي وهذا كسر حاجز الخوف ونقل الناس لـ"فيس" الميدان بعد أن كانوا وراء الشاشات في ميدان الفيس.
* تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية جيشا ومستوطنين ومخططات يقابلها إصرار فلسطيني تراكمي في الانتصارات تمثلت في صمود غزة ومسيرات العودة ونصرتها ضد العقوبات؛ وانتصار معركة البوابات في القدس؛ وإعلان الاحتلال إحباط المئات من العمليات والخلايا المقاومة ما يعني أن الضفة تشتعل.
وفي هذا الإطار فإن السيناريوهات القادمة هي:
* الاشتعال من كل أطياف الشعب في وجه الاحتلال ويأخذ منحى الدراماتيكية إذا ما ربطناه مع الحالة الإقليمية ومراكز دعم صفقة القرن وما يتعرضون له من هز لعروشهم من خلال حالتهم الداخلية والدولية وهذا ينعكس كثيرا على حال فلسطين ومنها الضفة الغربية، لأن الاحتلال يرى فيها الخاصرة لأمنه القومي والمقاومة ترى فيها المخزون الاستراتيجي، لذلك ستكون المسرح القادم والخطير والمفاجئ.
* صمت السلطة وأجهزتها الأمنية على الانتهاكات اليومية بالتزامن مع تصعيد الاحتلال سيكون نقطة تحول وانفجار مزدوج من الشعب في وجه السلطة غضبا على الحالة الاقتصادية والضمان الاجتماعي من جهة وفي وجه الاحتلال من الشريحة التي لا ترى في هدوء الضفة أمرا مجديا في وجه المخططات، وهذه الشريحة كما قلنا توسع نطاقها وفئات المشاركين فيها وهذا يفتح الأفق أمامهم في آليات وجغرافيا المقاومة، وهذا المرجح في المرحلة المقبلة إذا ما استمر الفشل الاقتصادي والإداري للسلطة وتجاهلها لمعاناة الشعب تحت الاحتلال وعدم ردعه، ولكن هذا السيناريو الأطول من غيره والأكثر تدرجا لأنه قرار بات نابعا من كل مواطن وليس قرارا فصائليا ينتهي مفعوله باجتماع أو ما شابه.
* تعمق الاحتلال في الغطرسة ومضاعفة العنف والتشديد لتمرير صفقة القرن مستغلا ومسرعا قبل أن تبدأ رموز قوته في المنطقة بالتفكك ما يعني أن ظهره السياسي والأمني والاقتصادي والسياسي في المنطقة لن يقدر على مجاراة الحدث ولذلك من المتوقع أن نشهد إجراما كبيرا من الاحتلال للتسريع في حلم الصهيونية في ظروف هي الأكثر ملاءمة لها عبر التاريخ.
في النهاية تتعزز لدى الشعب الفلسطيني ثقافة المقاومة؛ فبعد أن فشل الاحتلال في عزل المقاومة المسلحة عن عمقها الشعبي ليظهر للعالم أن الفصائل المقاومة هي كما تنظيمات التطرف التي ليس لها دعم؛ وفي ظل التوسع في التضحية والنماذج التي تنزل للميدان ذات الإشارات والدلائل على المرحلة؛ فإن تراكم تلك الأحداث والعمليات من شأنه أن يلغي نظرية الفلسطيني الجديد التي يسعون من خلالها إلى نسيان حق العودة وتجاهل القدس وتحويل الضفة الغربية لمرتع المخدرات والرذيلة، وبعودة الصورة الحقيقية في الصراع بين ظالم ومظلوم تنسف تلك المؤامرة بل وتزداد الجبهة الداخلية إصرارًا يولد إبداعًا وتطورًا في المقاومة.