لم تكد الأجهزة الأمنية اللبنانية تعلن إلقاءها القبض على شخص أوشك على تفجيره نفسه، مؤخرًا، بحزام ناسف داخل قاعة مقهى في شارع "الحمرا" الشهير وسط العاصمة بيروت، حتى ضجت معظم وسائل الإعلام اللبنانية مدعية في عناوينها العريضة ونشراتها الإخبارية الرئيسة أن هذا الشخص فلسطيني الهوية، قدم من داخل مخيمات اللاجئين ليقوم بجريمته.
ادعاءات وسائل الإعلام اللبنانية، سرعان ما دحضته تصريحات قيادة الأجهزة، بعد يوم من الحادثة، بقولها: إن "انتحاري الحمرا" لبناني الجنسية يدعى عمر العاصي (25 عامًا)، من سكان مدينة صيدا، ولم يكن يوما فلسطينيا، وهو ما يثير باب التساؤل عن الأسباب التي تجعل من اللاجئ الفلسطيني محط استهداف تحريضي متواصل من قبل هذه الوسائل الإعلامية، دون تحقق، وربط المخيمات بأي أحداث أمنية لبنانية كانت.
عضو القيادة السياسية لحركة "حماس" بلبنان، د. أحمد عبد الهادي، قال إن الحملة التحريضية الإعلامية ضد اللاجئين الفلسطينيين ومخيماتهم، "ليست الأولى، فقد شنت على مدار سنوات ماضية، ولن تكون الأخيرة".
وأضاف عبد الهادي لـ"فلسطين": إن هذه الحملات التحريضية الإعلامية، تجري بحق الفلسطينيين رغم إعلان نأيهم عن أي أحداث في الساحة اللبنانية الداخلية أو خارجها، وأنهم لن يكونوا إلا عنصرًا مهمًا في الأمن والسلم الأهلي بلبنان.
وأشار إلى أن المخيمات الفلسطينية ومن يعيش بها من اللاجئين الفلسطينيين لم تثبت أي أدلة بقيامهم بأي عمل أمني داخل الساحة اللبنانية، أو المشاركة بما يزعزع الأمن والاستقرار كما تروج له الوسائل الإعلامية اللبنانية.
وأبدى عبد الهادي استغرابه الشديد من استمرار هذه الحملات ضد اللاجئ الفلسطيني سواء "مذنب بحق أو لا"، مشددا في ذات الوقت، على أن هذه الوسائل الإعلامية التحريضية تثبت انطلاق عملها من خلفيات عنصرية، ومشاريع غير وطنية تضر بالمصلحة اللبنانية والفلسطينية على حد سواء.
ولفت عبد الهادي إلى أن حادثة "انتحاري الحمرا" الأخيرة، دليل واضح على موقف هذه الوسائل الإعلامية التحريضية من الفلسطينيين ومخيماتهم، ولا سيما أنها واصلت حملتها لربط شخصية "انتحاري الحمرا" بالفلسطينيين رغم نفي الأجهزة الأمنية بشكل قاطع، وذلك عبر التشكيك بكونه فلسطينيًا يحمل هوية لبنانية مزورة.
وذكر عبد الهادي أن هذه الوسائل الإعلامية، ومن يساندها، "تصب الزيت على النار"، وتخلق أجواء مفعمة بالكراهية تجاه الفلسطينيين، ودون أن يكون هناك أي أصلٍ لكامل روايتها التي تدعيها تجاه الفلسطينيين ومخيماتهم عامة.
عملية كبيرة
من جهته، قال د. محمود الحنفي مدير مؤسسة شاهد لحقوق الإنسان في لبنان، إن التحريض الذي مارسته بعض وسائل الإعلام اللبنانية وقت إعلان القاء القبض على "انتحاري الحمرا" مؤخرًا، صورة مصغرة لعملية اتهام كبيرة تجري بحق اللاجئين الفلسطينيين خلال السنوات الماضية.
وأشار الحنفي لـ"فلسطين"، على أنَّ حدث "الحمرا" كشاهد يمكن الاستدلال به، على المنعطف الكبير الذي تدور به بعض الوسائل الإعلامية اللبنانية غير الملتزمة بأخلاق المهنة الإعلامية من موضوعية ودقة وتثبت من نشر الأخبار.
وذكر أن وسائل إعلام لبنانية ورغم حالة "تبرئة" الفلسطينيين من حادثة "الحمرا"، إلا أنها لم تتراجع خطوة واحدة للوراء، حيث واصلت مسيرة التحريض عبر ربط "الانتحاري"، بأي شيء فلسطيني، وأنه كان قد ذهب لمخيم برج البراجنة، وتلقى أوامر من قيادات متشددة بداخله ليقوم بتفجير نفسه.
ونبه لوجود محاولة واضحة تجري لوضع المخيم الفلسطيني في زاوية أنه بيئة خصبة "للإرهاب"، وأن اللاجئ هو ذاك الأجنبي الغريب الذي جاء "ليأكل الأخضر واليابس" في لبنان، مشيرًا إلى أن أسباب هذا التحريض الإعلامي تعود لمنطلقات سياسية وعامة مختلفة.
وأكد الحنفي أن هذه الجهات والوسائل الإعلامية تسعى بتحريضها المستمر لإرضاء شعبيتها، عبر تقليب الرأي العام ضد اللاجئين الفلسطينيين ومخيماتهم، والعزف على لحن خطورتهم على الأمن السلمي العام في لبنان.
وشدد على أن هذه الحملات الإعلامية تجعل من الفلسطيني "مشبوهًا" و"متهمًا"، وقد تدفع الأجهزة الأمنية مضطرة لتشديد إجراءاتها ضد الفلسطينيين، وهو ما يمكن اعتباره نتيجة مباشرة لهذا التحريض.