الغرامة المالية بعشرات آلاف الشواقل والسجن، وإما أن تهدم بيتك بيدك، أيهما تختار؟ واقع مرير يواجهه أصحاب المنازل المهددة بالهدم من الاحتلال الإسرائيلي في مدينة القدس المحتلة، لكن منهم من عايش هذا لحظة بلحظة، كما حدث مع مراد حشيمة وشقيقه جوهر من بلدة سلوان، جنوبي المسجد الأقصى.
لقد هدما بيتهما المكون من شقتين على نفقتهما الخاصة خشية السجن والغرامات المالية العالية التي أقرتها سلطات الاحتلال حال رفض الشقيقان هدمها، لكنهما رغم ذلك يصر الشقيقان على تمسكهما بالقدس.
"سنبقى في مدينة القدس مهما ارتكبت (إسرائيل) من جرائم"، يقول مراد بنبرة تحدٍ بدت واضحة في أثناء حديثه لـ"فلسطين".
وأضاف أن سلطات الاحتلال كانت تريد تغريمي وشقيقي 60 ألف شيقل، و3 أشهر حبس في سجونها لكل منّا، إن رفضنا الهدم.
ووقف الشقيقان على بعد أمتار من بيتهما في حي واد قدوم بسلوان، يشاهدون آليات ضخمة استأجروها وهي تنخر بمثقابها وتتنقل به حتى ساوته بالأرض بعد 20 سنة قضتها الأسرتان فيه.
وقبل أيام شرع الشقيقان مراد وجوهر بتفريغ محتويات منزليهما استعدادًا لهدمهما بعدما أمهلتهما البلدية حتى 10 ديسمبر/ كانون الأول لتنفيذ الهدم وإلا ستنفذ ذلك بلدية الاحتلال في القدس، مع إلزام العائلة دفع تكاليف الهدم لجرافات الاحتلال والطواقم المرافقة لها.
وتسبب الهدم بتشريد 14 فردًا، قوام الأسرتين، إلى الشارع ولم يعد لهم مأوى، مثلما شرد الاحتلال من قبل آلاف المقدسيين.
وكان الشقيقان سعيا قانونيًّا خلال السنوات الـ20 الماضية إلى استصدار تراخيص للمبنى القائم، تخللها دفع غرامات مالية تقدر بألوف الشواقل، لكن محاولاتهما هذه باءت بالفشل وقررت بلدية الاحتلال إزالة بيتهما.
وأضاف مراد: "لم يعد لنا مأوى بعد أن هدم بيتنا إلا اللجوء إلى أقاربنا في مدينة القدس".
ويدرك الرجل المقدسيّ جيدًا أن انتهاكات الاحتلال ضد أبناء القدس ترتكب ضمن خطة إسرائيلية لاستهداف الحجر والبشر في المدينة المقدسة سعيًا لتغيير الواقع الديموغرافي فيها بعدما صادرت مساحات شاسعة منها لصالح المشاريع الاستيطانية.
إضافة إلى ذلك، يقول باحثون مقدسيون: إن الاحتلال يسعى إلى تفريغ الوجود الفلسطيني في القدس المحتلة.
وقال الناطق الإعلامي باسم لجنة الدفاع عن سلوان فخري أبو دياب، إن ما يجري في البلدة هو "ضمن الهجمة على القدس وتحديدًا سلوان؛ الخاصرة الجنوبية للمسجد الأقصى والبلدة القديمة في القدس".
وأضاف أبو دياب لـ"فلسطين"، أن الاحتلال يمارس أساليب الطرد والتهجير وتصفية الوجود الفلسطيني، فإما أن يهدم منازل المقدسيين بجرافاته بعد أن يحاصرها بجنوده وآلياته، وإما أن يجبر أصحابها المقدسيين على هدمها ذاتيًّا.
وبحسب أبو دياب، وهو باحث في شؤون القدس، فإن سلطات الاحتلال عندما تسلم أحد المقدسيين قراراً بهدم منزله، تسلمه أيضًا قرارًا بهدمه ذاتيًّا، وتمنحه سقفًا زمنيًّا، وإذا لم ينفذ القرار تأتي جرافات الاحتلال وتهدمه أمام عينيه وتغرم صاحبه عشرات آلاف الشواقل.
والهدم الذاتي يشكل معاناة مضاعفة، فمثلما بنى المقدسي بيته بيديه يهدمه بكلتيها، ويهدم مستقبله ومستقبل عائلته مع ذلك، وهو مجبر على فعل ذلك.
ولفت إلى أن هدم منزل عائلة حشيمة جاء بعد 20 سنة من بنائه، ودفع أصحابه غرامات مالية باهظة، بادعاء أنه بني دون ترخيص، وهناك آلاف المنازل في القدس لها ذات الوضع القانوني، وهي مهددة بالهدم.
واستدرك أن هدم الشقيقين لبيتهما أدى إلى تفادي الأضرار التي كانت قوات الاحتلال ستلحقها بالمنازل المجاورة، مشيرًا إلى أن وتيرة الهدم اشتدت في القدس بعد إعلان رئيس الإدارة الأمريكية دونالد ترامب في 6 ديسمبر 2017، القدس عاصمة لـ(إسرائيل).
وتابع أبو دياب أن "أهالي سلوان يعانون الحفريات والتضييق الاقتصادي وعمليات الهدم، ومنع التراخيص.. الاحتلال يريد أن يفقد سكان بلدة سلوان والقدس الأمن والأمان، ويدفع المقدسيين بإجراءاته للرحيل سعيًا لتقليل المباني العربية وتهجير سكانها".
في غضون هذا؛ يعمل الاحتلال على زيادة أعداد المستوطنين في القدس على حساب أهلها المقدسيين، وهو ما يجعل هؤلاء بحاجة ماسة لإستراتيجية مدعومة من كل الأطراف المعنية بقضية القدس وسكانها الأصليين، لإبقاء هذه المنازل فلسطينية والحفاظ عليها، كما يقول الباحث في شؤون القدس.

