ما زالت حرب ديسمبر 2008 محفورة في الذاكرة الفلسطينية العامة، والذاكرة الخاصة لمن فقدوا ذويهم، أو أصيبوا بإعاقات دائمة. كانت الضربة الأولى الإسرائيلية مفاجِئة بعشرات من الطائرات الحربية المدمرة، على عشرات الأهداف العسكرية والمدنية الفلسطينية في قطاع غزة. أذكر أن الأخبار تحدثت عن غارات مدمرة من 64 طائرة حربية في دقيقة واحدة، تلتها غارات مدمرة عدة، وكانت خسائر الفلسطينيين في هذه الضربة قرابة 300 شهيد بين مدني وشرطي وعسكري. كان الجنرال باراك هو رئيس الوزراء، وهو الآمر الرئيس بالحرب، وبالقصف، وفي إثر الجرائم الحربية ضد المدنيين الفلسطينيين تشكلت لجنة غولدستون التي أدانت إسرائيل بقتل المدنيين، وعدم التناسب في استخدام القوة، وباستخدام أسلحة محرمة دوليا.
كانت الحرب تجربة قتالية قاسية ومرة، وكانت مواقف الدول العربية أكثر مرارة على سكان قطاع غزة من الحرب نفسها، وكان تقرير غولدستون يحمل أملا ضعيفا في محاسبة إسرائيل على جرائم الحرب المقررة في التقرير، غير أن الأمل الضعيف مات بيد السلطة، وبيد دول مجلس الأمن دائمة العضوية، ونجت دولة العدو من العقاب، وكررت إسرائيل الحرب على غزة في 2012م، ثم في 2014م، لأنها لم تعاقَب؟!
أمس في الصحافة العبرية سُرِّبت معلومات تدين باراك رئيس الوزراء السابق، وتقول إنه أمر الجيش بقصف مواقع مدنية فلسطينية، خلافا لقناعات الجيش؟! ما قالته الصحف العبرية يؤكد صحة الشهادات الفلسطينية على وقائع الحرب، ويؤكد أن تقرير غولدستون كان متواضعا في إدانة إسرائيل، ويؤكد أن إفلات العدو من العقاب يغريه بمزيد من الجرائم ضد الفلسطينيين، ولو كان لدى قيادة السلطة بصفتها الجهة التي تمثل الفلسطينيين في المحافل الدولية الغيرة الكافية على الدم الفلسطيني، لاتخذت من تقارير الصحف العبرية طريقا لإحياء المتابعة الدولية لجرائم باراك وحكومته في ذلك التاريخ.
جرائم الحرب لا تسقط بالتقادم، ولكن الحقوق تحتاج إلى مطالِب حصيف، والقضايا الوطنية تحتاج إلى الوطني الغيور الذي لا ينام الليل من أجل وطنه وشعبه، ولكن حين تصبح الوطنية شعارا وتجارة تتكرر الحروب والجرائم، ولا يحصل المدنيون على حقوقهم الأساسية في الأمن والحياة.