حين قرر الفلسطينيون أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية في الصراع في المنطقة، لم يشاركهم الكثير من الأنظمة العربية هذا القرار، وإن رددته وسائل إعلامهم من باب مجاراة الشيء لا أكثر. ومن المعلوم أن إستراتيجية ( إسرائيل) تقوم على رفض هذا القرار، أو قل هذه المعادلة، التي تعني تكريس الجهود العربية ضد (إسرائيل).
كان من السهل على ( إسرائيل) أن تغير هذه المعادلة، لا سيما بعد تحولات العراق، وثورات الربيع العربي، حيث قدمت نفسها صديقا ومنقذا للأنظمة التقليدية في المنطقة، التي أبدت خشيتها من تمدد ثورات الربيع العربي، ومن تحولات العراق وتوجهاته للتحالف مع إيران وسوريا.
ومن المؤكد عند المحللين السياسيين أن المفاوضات التي أجرتها السلطة الفلسطينية مع (إسرائيل) ساعدت (إسرائيل) في نجاح إستراتيجيتها في تركيز الصراع في منطقة الخليج، وإخراج القضية الفلسطينية من المركز، ووضعها في الهوامش، بحجة أن مفاوضات السلام ستمنح الفلسطينيين دولة، بشرط ألّا تكون قاعدة لإيران، ومن ثمة أخذت تتهم حماس والجهاد بأنهما تعملان بتوجيهات من إيران، ما رفع درجة الكراهية لهما عند المملكة وعند الإمارات؟!
المحصلة النهائية لهذه البيئة التي نجحت ( إسرائيل) في استثمارها، أنها غيرت معادلة المركز آنفة الذكر، وجعلت القضية الفلسطينية على هامش متن الكتاب الذي خطت حروفه بيديها بالتعاون مع أميركا والصهيونية وعملائهما في المنطقة.
المؤسف أن السلطة التي فشلت في إدارة المفاوضات، فشلت أيضا في المحافظة على مركزية القضية الفلسطينية في صراعات المنطقة، وفي اهتمامات الأنظمة العربية، لأنها وقعت أسيرة مفاوضات عبثية مراوغة، وأسيرة منح مالية ذات أهداف سياسية، ولم تتمكن من اتخاذ القرارات الكبيرة القوية التي كان من الواجب اتخاذها، كالخروج الغاضب من المفاوضات، وقلب الطاولة، والتهديد بحل السلطة وترك الشعب حرا ليتخذ قراره المناسب.
البيئة العربية الممزقة، والبيئة الفلسطينية التي تورطت في المفاوضات، ساعدت (إسرائيل) في النجاح، فلم تعد القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة في مركز الاهتمام العربي، واضطر الفلسطينيون إلى الإقرار بأولوية الهموم لكل دولة قطرية على حدة، ومن هنا يمكن القول إن القضية الفلسطينية تعيش أسوأ أحوالها منذ عقود، حتى بات المغردون من الخليج والمملكة يهاجمون الفلسطينيين، ويدعون بالنصر لـ(إسرائيل)؟!