لا جديد مُعْلَن في عمل محكمة الجنايات الدولية بشأن جرائم الاحتلال الإسرائيلي، سوى أن السلطة الفلسطينية تستمر منذ نحو عامين في التلويح بالتوجه إليها لمواجهة الاستيطان الذي لا يتوقف ولو للحظة واحدة في الضفة الغربية بما فيها شرقي القدس، لا سيما مع قدوم إدارة أمريكية جديدة توصف بأنها أكثر انحيازا لسلطات الاحتلال الإسرائيلي.
لكن مراقبين يشككون بأن تكون هذه الخطوة، التي لم تفض حتى اللحظة إلى فتح تحقيق جدي في الاستيطان، كفيلة لوحدها بمواجهة سياسات الاحتلال، مؤكدين على أهمية المقاومة وكافة أشكال النضال الفلسطيني.
وأعلن وزير الخارجية في حكومة الحمد الله، رياض المالكي، أول من أمس، أن السلطة ستتوجه الأسبوع المقبل لـ"الجنايات" لتقديم "إحالة بشأن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي، قائلا لإذاعة صوت فلسطين التابع للسلطة: "سنقدم إحالة للمحكمة بشأن الاستيطان الإسرائيلي لكي تبدأ بالتحقيق الرسمي بهذا الخصوص".
ويشار إلى أن فلسطين صارت عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية، بدءًا من 1 من أبريل/نيسان 2015، وذلك بعد أن وقع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، على الانضمام إليها في 31 ديسمبر/كانون أول 2014.
وكان مجلس الأمن الدولي، تبنى قرارا يدين الاستيطان الإسرائيلي في 23 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد امتناع تاريخي لإدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عن استخدام حق النقض "فيتو" ضد مشروع القرار، الذي قدمته السينغال وفنزويلا ونيوزلندا وماليزيا، بعدما سحبته مصر نهائيا إثر ضغوط أمريكية إسرائيلية.
وسألت صحيفة "فلسطين" عضو اللجنة الوطنية للمتابعة مع "الجنايات" آمال حمد، عن جدوى التوجه للمحكمة الدولية بشأن الاستيطان، فأجابت، بأن هذه المحكمة هي إحدى المؤسسات الدولية التي لها دور ضليع في محاكمة الاحتلال وكل مرتكبي الجرائم.
وتوضح حمد، العضو السابق في اللجنة المركزية لحركة فتح، أن الاحتلال الإسرائيلي يرتكب الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، وبالذات سرقة الأراضي بشكل يومي ومستمر وتعارضه مع كل اتفاقيات القانون الدولي الإنساني، ومع القرار الأخير لمجلس الأمن بشأن الاستيطان، الذي من المفترض أن تلتزم به سلطات الاحتلال، مذكرة بأن هذا القرار جرم وأدان الاستيطان واعتبره غير شرعي وغير قانوني.
وتقول: "إن توجهنا للجنائية هو توجه لابد منه، وهو في توقيته المناسب، باعتبار أننا حصلنا أولا على قرار أممي ينصف الشعب الفلسطيني، وثانيا إن الاحتلال الإسرائيلي وجوده غير شرعي وغير قانوني وغير دستوري، ونحن دولة معترف بها في الجمعية العام للأمم المتحدة".
وفي 2012، تمكنت السلطة الفلسطينية من الحصول على صفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة.
وتؤكد أن على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته في حماية الشعب الفلسطيني من التغول الاستيطاني وسرقة أراضيه والانتهاك الصارخ الذي يمارسه الاحتلال.
وتعرب عن أملها في أن تنصف "الجنايات" الشعب الفلسطيني من خلال تجريم الاحتلال وتحميله مسؤولياته، وتطبيق القرارات الدولية، والضغط على سلطات الاحتلال لمنع سرقة الأراضي الفلسطينية، وضرورة إعادتها إلى الشعب الفلسطيني.
وتلفت حمد، إلى أن الاستيطان هو من أولى القضايا التي توجهت بها "اللجنة الوطنية" إلى "الجنايات"، لفتح تحقيق رسمي.
لكنها تابعت: "لا ندعي النزاهة الكاملة ولا المطلقة (لمحكمة الجنايات)؛ كلنا يدرك هيمنة المؤسسات الدولية، هناك سطوة إلى حد ما من قبل من يتحكم في سيرورة الكثير من هذه القضايا من قبل بعض الجهات الأممية والدولية، لكن هذه إحدى الوسائل القانونية التي أمامنا لابد أن نخوضها، هي محكمة دولية مطلوب أن تتحمل مسؤولياتها".
وأقرت بأنه "بالتأكيد قد لا يكون هناك قرار قريب (من المحكمة) وقد تأخذ وقتا طويلا؛ لكن هي إحدى الأدوات الأساسية والمفصلية والقانونية والأخلاقية في محاكمة الاحتلال على كل جرائمه".
توجهات الشعب
وعما إذا كانت السلطة ستقدر على مواجهة سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي توصف بأنها أكثر انحيازا لسلطات الاحتلال، تعتبر حمد أن ترامب قد يضطر في وقت من الأوقات إلى أن يلتزم بسياسة دولة المؤسسات، أي الولايات المتحدة، وألا يمارس انحيازه المطلق بالشكل الذي تحدث عنه في الحملة الانتخابية.
وأكدت أن المطلوب من السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، "أن يبذلوا جهودا حثيثة ليس فقط مع الإدارة الأمريكية بل مع كل المجتمع الدولي؛ مع الاتحاد الأوروبي، مع دول العالم العربي والإسلامي، مع جامعة الدول العربية، لتمارس ضغوطا حقيقية على الإدارة الأمريكية كي تضغط على دولة الاحتلال لئلا تستمر بالاستيطان".
وقالت حمد إن "معركتنا مع الاحتلال طويلة"، موضحة أن هذه "المعركة" يشرع فيها كل الأدوات السياسية والقانونية، والأشكال المتعددة للنضال.
وأضافت: "بالتالي الرئيس عباس والقيادة الفلسطينية المطلوب أن تلتزم بتوجهات شعبنا الفلسطيني وأن تمارس كل أدوات الضغط على الاحتلال الإسرائيلي".
أما الناشط في شؤون الاستيطان، خالد منصور، فيقول: "لا أقلل من أهمية الذهاب للجنائية لكن هذا يجب أن يكون جزء من خطة فلسطينية أكبر لمواجهة الاستيطان".
ويضيف لصحيفة "فلسطين": "للأسف الشديد، نحن سمعنا مثل هذا الكلام (التوجه للجنايات) أكثر من مرة منذ سنتين وأكثر، حتى عندما قالوا رفعنا الملفات لمحكمة الجنايات واكتشفنا فيما بعد أنه لا يكفي أن نقول رفعناها بل كان يجب أن نطلب التحقيق في ذلك الوقت في تلك الملفات".
ويتابع: "نريد أن نرى مطالبة في التحقيق وليس فقط شعار نرفعه"، منبها في الوقت نفسه إلى أن "الاستيطان لا يُواجَه فقط في المحاكم الدولية وإنما من خلال المقاومة على الأرض وتعزيز صمود المواطنين الذين يواجهون الاستيطان صباح مساء".
ووصف المستوطنين بأنهم "منفلتو العقال، ستزداد شراستهم بوجود رئيس أمريكي يعلن جهارا أنه ينظر إلى (إسرائيل) على أنها صاحبة الحق وأن وجودها في الأراضي الفلسطينية غير مرفوض"، منوها إلى تصريحات من فريق عمل ترامب مؤيدة للاستيطان، "إذًا في القريب سنواجه تصعيدا خطيرا في نهب الأرض وتهويدها".
ومنذ سنة 1967أقام الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية ، 196 مستوطنة تشمل مستوطنات القدس إلى جانب نحو 100 بؤرة استيطانية عشوائية، ويسكن تلك المستوطنات ما يزيد عن نصف مليون مستوطن على مساحة تقدر بـ196 كم2.