مات جورج بوش الأب وبقي العراق. مات بوش فجر أمس عن 94 سنة، ولم يمت العراق. مات بوش ولم تمت إستراتيجيته في المنطقة. إستراتيجية بوش الجمهوري الذي حمى إسرائيل من صواريخ صدام لا تختلف عن إستراتيجية إسرائيل والصهيونية في المنطقة العربية الإسلامية.
من جاء بعد بوش من الرؤساء الأميركيين حافظوا على إستراتيجية تمزيق المنطقة وإشعال النيران فيها، وإبقائها في حاجة لأميركا وإسرائيل. بوش الابن كان الأكثر أصولية وعنفا في تنفيذ هذه الإستراتيجية.
الفوضى الخلاقة، والحروب الطائفية، وصناعة الإرهاب ونشره، كانت أركانًا رئيسةً في هذه الإستراتيجية. داعش كانت صناعة إسرائيلية أميركية. تعزيز السيطرة الشيعية على العراق، وإشعال الحرب بين السنة والشيعة، كانا صناعة أميركية إسرائيلية، وما تزال هذه الحرب تتمدد، وتمنح إسرائيل الفرصة لتكون حليفا قويا للدول السنية في المملكة والخليج، وكأن إسرائيل لم تشارك في صناعة هذه الحرب، أو في التحولات التي ضربت مجتمع العراق.
داعش صنعتها إسرائيل وأميركا لضرب ثورات الشعوب العربية، ولزيادة إشعال النار بين السنة والشيعة، وتقديم الإسلام الدين المتسامح، كدين يسرف في القتل، وفي اضطهاد الأقليات، ويريد أن ينشر الفوضى. ولم يعد بإمكان المد الإسلامي الدعوي في أوروبا أن ينتشر ويتمدد دون ملاحقة أمنية، تحت تهمة الإرهاب. المسلمون في أوروبا في موقف دفاع، لا في موقف دعوة تتمدد.
إسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة التي استفادت من بوش الأب، ومن جاؤوا بعده، من خلال هذه الإستراتيجية، والبلدان التي تبدي تفهما للتحالف مع إسرائيل بزعم العمل المشترك ضد المدّ الشيعي هي الأكثر خسارة، لأنها أغمضت عينها عن دور إسرائيل في سيطرة الشيعة على العراق، وفي صناعة داعش، وفي الفوضى الخلاقة، وفي بعث التوترات في منطقة الخليج.
في علم القانون يقولون: حين تقع الجريمة فتش عن المستفيدين منها، وجريمة تمزيق العراق، وتفجير الحرب الطائفية تستفيد منهما إسرائيل أكثر مما يستفيد غيرها. دول المنطقة تعلم هذا، ولكنها إما تتغافل عنه خوفا، أو تتغافل عنه شراكة، والله أعلم.