"إنها منازل تعود ليهود يمنيين قبل مائتي عام"، بهذه الجملة شطبت ما يسمى بالمحكمة الإسرائيلية العليا، حق 700 فلسطيني من بلدة سلوان في القدس المحتلة حينما وضعت سلطات الاحتلال يدها على 70 منزلًا في حي "بطن الهوى" لبناء حديقة "مدينة داود".
وقالت صحيفة "هآرتس" العبرية في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري: "صدّق الكنيست الإسرائيلي في القراءتين الثانية والثالثة على قانون يسمح بالبناء الاستيطاني في حديقة مدينة داود ببلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى، وأن القانون صمّم خصوصًا ليتلاءم مع مقاييس مشروع للبناء في الحديقة ستنفذه جمعية العاد الاستيطانية".
وردت المحكمة العليا الإسرائيلية الأربعاء الماضي طعن 70 عائلة فلسطينية، بحجة أن أراضي المنازل التي يقيمون فيها "تعود ملكيتها إلى يهود يمنيين قبل أكثر من مائتي عام".
مدير وحدة مراقبة الاستيطان في معهد الأبحاث التطبيقية القدس -أريج سهيل خليلية، أكد أن القدس وضواحيها والبلدة القديمة وسط مدينة الخليل، هي مناطق إستراتيجية، وأعمدة رئيسة لمفهوم الاستيطان في الأراضي المحتلة بالنسبة للاحتلال.
خطان متوازيان
وقال خليلية في حديث لصحيفة "فلسطين": "إن الاستهداف الذي يصيب مناطق مختلفة من المدينة المقدسة، مثل حي الشيخ جراح وسلوان والبلدة القديمة، أمر خطير على شكل المدينة مستقبلًا".
وأوضح أن سلطات الاحتلال تعمل في خطين متوازيين، الأول: البناء الاستيطاني في حدود محيط مدينة القدس من أجل ضم المزيد من المناطق إلى مشروعهم الاستيطاني المسمى بـ(القدس الكبرى)، وتعزيز ذلك بربط هذه المناطق بالشوارع الالتفافية الخاصة بالمستوطنين، والثاني: منح المستوطنين موافقات على تنفيذ مشاريع استيطانية قديمة كانت قد طرحت سابقًا.
وأشار إلى أن المعركة الحقيقية في قلب مدينة القدس، في سلوان وبطن الهوى والمناطق المجاورة أو ما يسمونها (حديقة الملك داود) التي تستهدف تهجير نحو 1500 فلسطيني.
وبيّن خليلية أن سلطات الاحتلال تعمل على هذه المخططات منذ عام 2004، بخطوات تمهيدية، وبدأت بتنفيذها من عدة نواحٍ جغرافية وقانونية "ووظفها كأدوات استعملت لتمرير سياسات التطهير العرقي ضد الفلسطينيين في مناطق القدس".
ولفت إلى أن السيناريو المستخدم في بلدة سلوان يطبقه الاحتلال في حي الشيخ جراح، والبلدة القديمة، وأن دعوات المستوطنين لتملّك هذه الأراضي تدور في دهاليز المحاكم الإسرائيلية منذ سنوات.
مدينة الخليل
وأما عن الاستيطان في مدينة الخليل، فقال خليلية: "سلطات الاحتلال لديها اعتقاد أن البلدة القديمة في الخليل هي منطقة يهودية، وتدعي وجود تاريخ يهودي قديم تريد المحافظة عليه"، مشيراً إلى أن ذلك أحد أسباب فصل المدينة إلى منطقتين (H1 ,H2) حسب بروتوكول الخليل المُوقع بين السلطة الفلسطينية وسلطات الاحتلال في عام 1997.
وأوضح خليلية أن منطقة (H2) التي يسيطر عليها الاحتلال تمثل 20% من مساحة الخليل، أي ما يعادل نحو 8 آلاف دونم، مؤكدًا أن الاحتلال ومستوطنيه يحاولون وضع البنية المطلوبة لشرعنة تملكهم في هذه المنطقة، فأوجدوا سياسات تجبر السكان على الرحيل كالتضييق على حركة الفلسطينيين والحواجز واعتداءات المستوطنين.
ونبّه إلى أن الاحتلال يسعى إلى فتح طرق خاصة بمستوطنيه، بحيث توصل ما بين الطرق الالتفافية الرئيسة ومناطق (H2) من أجل خلق مسارات خاصة بالمستوطنين، تقطع الطرق الالتفافية دون الاصطدام بالمناطق الفلسطينية.
إستراتيجية منظمة
وشدد خليلية على ضرورة تنظيم حملة دفاع عن المدينة المقدسة والمدن الأخرى بشكل أقوى وأكثر تنظيمًا من السنوات الماضية، من أجل التصدي للاستيطان.
وعدّ ما تنفذه سلطات الاحتلال من مشاريع "مخططات استيطانية استراتيجية منظمة للسيطرة على مناطق حيوية ورئيسة".
وأشار إلى أن الاحتلال يعجل على ذلك قبل الدخول في عملية مفاوضات نهائية مع السلطة الفلسطينية ممكن أن تدفعهم لتسليم بعض مناطق القدس والضفة، في محاولةلوضع الخطط الجاهزة حول المناطق التي ستبقى تحت سيطرتهم في حال أي مفاوضات قادمة".
وحول مخاطر مخططات الاحتلال في المدينة المقدسة، عدد خليلية ثلاثة منها: إلغاء فكرة الخروج من شرقي القدس وتسليمها للفلسطينيين، وإعادة تعريف المناطق التي يسيطر عليها الفلسطينيون مستقبلًا، والرجوع إلى سيناريو أن تكون منطقة أبو ديس والعيزرية، هي العاصمة البديلة تصلها بالأماكن المقدسة تحت إشراف إسرائيلي.
وأكد أن اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل)، شجع الأخيرة على التصريح بنفس أقوى أنه "لن تسلم القدس في أي حال من الأحوال".
ونبّه خليلية إلى عدم وجود إحصاءات وأرقام حول الاستيطان ونِسَبه بوضوح، "فجميع البيانات متداخلة، وفي كل مدّة تُفتتح مشاريع استيطانية جديدة"، مؤكدًا وجود نحو 4-5 آلاف وحدة سكنية استيطانية تُبنى في القدس ومحيطها حاليًّا.