كشفت جريمة مقتل خاشقجي عن عالم من السياسة الدولية المعقدة. تركيا يسكنها شعب مسلم، ويقوده رجل طيب يحاول تصفير مشكلاته مع الآخرين، وبالذات الجيران والمسلمون. رجل يدافع عن حقوق الفلسطينيين والقدس وغزة.
تركيا وجدت أن مقتل خاشقجي على أرضها بطريقة بشعة فيه إهانة لها، واستخفاف بقدراتها، فقررت أن تنفي ذلك وتثبت خطأ السعودية، وخطأ متخذ القرار، فكشفت ملابسات الجريمة، وحاولت استمالة أميركا ودول أوروبا إلى جانبها.
لم تحقق تركيا كل ما تريد، فالرئيس الأميركي يتعامل مع السياسة الخارجية بمنطق التجارة، لذا لم يغامر بفقدان دعم المملكة، ولا محمد بن سلمان، ونشر حمايته عليه رغم تقارير المخابرات الأميركية، وتلعثمت الدول الأوروبية بين المال وصفقات السلاح، ووقفت عند عقوبات على ثمانية عشرة فردًا.
السعودية حاولت طمس المسؤولية وإخفاء الآمر الحقيقي بالقتل، نجحت قليلًا، وفشلت كثيرًا، وما زالت اللعبة مستمرة، وما زال المال والبترول أدوات شراء المواقف، وربما كانت القضية الفلسطينية الأكثر إغراء لإسرائيل وأميركا للوقوف إلى جانب المملكة، وحماية ولي العهد، إسرائيل تعد العدة لخروج سالم للمملكة من المشكلة، في تحدٍّ صارم لتركيا .
تركيا تحاول تدويل المشكلة وتدويل التحقيق، حتى لا تبقى وحيدة في مواجهة هذا التحالف القوي، المؤسسة الدولية تتلكأ في قبول الطلب التركي بضغوط أميركية وإسرائيلية، لا أحد يمكنه أن يجزم بمآلات الأمور، وهل سينجح التحالف في احتواء المشكلة، أم أن المملكة ستصل إلى النقطة الحرجة؟ السياسة الدولية معقدة، ولا تحكمها الأخلاق، ولا المبادئ، وهي تتقلب في بحر المصالح تقلب السمك في الماء.
ويبدو أن المشكلة تحولت من خاشقجي إلى مشكلة تصفية حسابات قديمة ومتراكمة بين الأطراف المشاركة في هذه اللعبة. هذه هي السياسة الدولية القائمة على المصالح، دون الأخلاق والمبادئ.
فلسطينيًّا يقتضي الأمر الحذر، فالكبار يسرقون أرواح الصغار، وحتى تبقى للفلسطينيين روح قادرة على المقاومة يجدر بهم أن يكونوا مهرة في الإفلات من قبضة الكبار والحفاظ على حياتهم وقضيتهم