تشن سلطات الاحتلال الإسرائيلي، حملات سياسية واستيطانية وأمنية مخططا لها، تحارب خلالها قطاع التعليم ومؤسساته في الضفة الغربية المحتلة، وتعيق عملها، وتمنع الوصول لها، مشكلة بذلك انتهاكات صارخة لحقوق الأطفال والطلبة في التعليم، يمارسها جنود الاحتلال ومستوطنوه.
بدأ يتقلص طلاب روضة "السرايا" الأثرية، التابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، والملاصقة للحرم الإبراهيمي وسط مدينة الخليل جنوب الضفة المحتلة، بفعل الإجراءات الإسرائيلية المخالفة للقوانين الإنسانية والدولية.
ومنعت سلطات الاحتلال، قبل أيام، عمال لجنة إعمار الخليل، من إصلاح جزء من سقفها الأثري، الذي تتسرب منه مياه الأمطار إلى صفوف الروضة، أو صيانة صفوفها وأثاثها الداخلي.
وتقع الروضة إلى الشرق من الحرم الإبراهيمي، والذي يمتد عمر جدرانها قريبا من 2000 عام، وتقع وسط مجمعات ومستوطنات إسرائيلية، وثلاثة حواجز وثكنات عسكرية للاحتلال، حيث تقلص عدد طلبتها من نحو 100 طفل قبل سنوات، إلى قرابة 10 أطفال مؤخراً.
ووفق ما تحدثت به، ثروت زلوم، مديرة روضة السرايا، فإنها تتبع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وتقدم خدماتها لعائلات وأهالي الخليل والبلدة القديمة منذ افتتاحها عام 1997.
وقبل افتتاح الروضة، استخدم مكانها عيادة طبية للرعاية الأولية لأطفال الخليل، مع احتوائها على مستودع للأدوية والمستلزمات الطبية، لتحول إلى روضة في حينه، مع افتتاح عدد من العيادات الحكومية أخرى تابعة لـ "أونروا".
وعلى مدار 20 عاماً، تدرجت سياسة الخنق الإسرائيلية بحق المسجد الإبراهيمي ومنطقته، وما فيها من بيوت أثرية ومدارس ورياض أطفال، بتطويرها للمستوطنات وتكثيفها للحواجز العسكرية، التي تحتجز خلالها أطفال الروضة وأهالي المنطقة، رغم وجود فريق أجنبي يعمل على تأمين وصولهم منذ 5 سنوات.
وتوضح ثروت زلوم لـصحيفة "فلسطين" أن سلطات الاحتلال تحتجز النشطاء والطلبة الأطفال، وتتعمد التضييق على الروضة ومحيطها، وتمنع مرور الأطفال والمعلمات بشكل طبيعي، بتخصيصها لطرق وعرة ومتعبة لهم وشاقة، تصل إلى عدة كيلومترات، عدا عن إغلاق الروضة بحجة الأعياد اليهودية.
وقالت: منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، واجهت الروضة تحديات ومعيقات كبيرة، تمثل جزء منها في منع ترميم الروضة، مشيرةً إلى أن عدد الموظفات في الروضة تدنى إلى 3 (معلمة ومديرة الروضة، وآذنة) بفعل إجراءات الاحتلال، يصرون بإرادتهم الكبيرة على إكمال مسيرتهم التعليمية.
وأوضحت أن ضعف إقبال الأهالي على الروضة، مع مرور الزمن، هو نتيجة سياسة الاحتلال بحق الروضة ومحيطها، قائلة بحسرة وألم: "لا نعرف مستقبل الروضة، هل ستبقى أم لا، لكننا مستمرون في التعليم؟".
ويبلغ عدد المستوطنات في محافظة الخليل نحو 30 مستوطنة؛ إضافة لأكثر من 25 بؤرة استيطانية، و تفرض سلطات الاحتلال إغلاقًا شاملاً على البلدة القديمة، وتصدر قرارات عسكرية تمنع دخول الزوار وغير السكان إليها.
وعدا عن منع سلطات الاحتلال ترميم الروضة، فإنها تواجه اعتداءات متكررة من المستوطنين وجنود الاحتلال، إذ حطموا في أحد الاقتحامات بوابات الروضة وصفوفها، وجزءا من أثاثها.
وتعاني الروضة من تهالك كبير في أثاثها وجدرانها، بفعل منع الاحتلال ومماطلته الكبيرة في إدخال مواد الإعمار، أو السماح بإدخالها مع منع العمال من إجراء الصيانة اللازمة.
وتبين زلوم، أن سقف الروضة تشقق بفعل عوامل محيطة، وأعمال بناء بجوار المسجد الإبراهيمي الذي تعتبر الروضة إحدى مؤسساته، مما سبب في تسرب المياه وإحداث خلل كبير في أثاث وسجاد وشبكة كهرباء الروضة.
وقالت: منذ 15 يوماً ونحن ننتظر موافقة سلطات الاحتلال على السماح للعمال بإجراء الصيانة المطلوبة، بعد أن بدؤوا بالعمل فيها، وإدخالهم لـ(سجاد الزفتة) الخاص بإصلاح الأسقف.
وأضافت زلوم: مع بدء عمال لجنة إعمار الخليل، بأعمال الصيانة، توجه إليهم جنود وضباط الاحتلال الإسرائيلي ومنعوهم من القيام بأعمال الصيانة، بزعم وجود مواد خطرة تؤثر على المستوطنين المجاورين للروضة.
عماد حمدان، مدير لجنة إعمار الخليل، ذكر أن الاحتلال الإسرائيلي لا يتوقف عن سياسته المتعمدة بحق آثار محافظة الخليل، يواصل اعتداءاته على أهاليها، خاصة منطقة البلدة القديمة، ومحيط الحرم الإبراهيمي.
وقال حمدان لـصحيفة "فلسطين": "إن عمليات ترميم الآثار في البلدة القديمة، تهدف للحفاظ على الموروث الثقافي الفلسطيني"، مؤكداً أن الاحتلال منع عمال اللجنة من إتمام إعمار روضة السرايا.
وأضاف: المنع الإسرائيلي والمتكرر يأتي في ظل هجمة شرسة تشنها سلطات الاحتلال على البلدة القديمة، في محاولة لتهويدها وآثارها، خاصة بعد إدراجها ضمن لائحة التراث العالمي المهددة بالخطر.
وتابع: منع ترميم وإصلاح روضة السرايا للأطفال يصادر حق الأطفال في الحق بالوصول إلى روضتهم والحق في التعليم والترفيه واللعب، الذي أقرته القوانين الدولية والإنسانية، مؤكداً أن هذه الإجراءات تهدف لتهجير السكان وإخلاء المؤسسات التربوية والتعليمية والدينية من روادها، وعزل البلدة القديمة جغرافياً.
بدوره، أكد هارون الجولاني مدير عام الهلال الأحمر في الخليل، على دور "الهلال" في رسالته الإنسانية التي يقوم بها، مستنكراً الإجراءات الإسرائيلية بحق روضة السرايا.
وقال الجولاني لـصحيفة "فلسطين": "نحن ملتزمون بالمبادئ السبعة للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، وهي: الإنسانية، عدم التحيز ، الحياد ، الاستقلال ، التطوع ، الوحدة ، والعالمية".
وأوضح أن منع الاحتلال الإسرائيلي ترميم روضة السرايا مخالف للأعراف والأخلاق الإنسانية والدولية، مشيراً إلى وجود تنسيق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر والشؤون المدنية لإتمام هذا الترميم.
وبقرارات حكومية إسرائيلية وعبر مخططات الجمعيات الاستيطانية، تحاول سلطات الاحتلال السيطرة على البلدة القديمة في الخليل بالكامل وأهم معالمها وأماكنها المقدسة والتاريخية أو منازلها ومحلاتها التجارية ورياض الأطفال والمدارس التعليمية.