فلسطين أون لاين

في غمضة عين.. عائلة جبريل تستقبل مولودها وتودع بيتها

...
غزة - نسمة حمتو

إنها الساعة الحادية عشرة ونصف ليلًا، يدق جرس الهاتف أكثر من مئة مرة، ولكنني متعب لدرجة أنني لا أستطيع الرد على الهاتف، كُنت أريد النوم طويلًا حتى أعوض ما شعرت به من التعب مع زوجتي في المشفى.

دقائق قليلة مضت بعد توقف الهاتف عن الرنين، وإذ بصوت مزعج يخترق أذنيّ، استفقت على صوت النوافذ وهي تنهال عليّ أنا وأطفالي الثلاثة، لم أستطِع الحركة وبصعوبة استطعت الخروج من المنزل، وما هي إلا دقائق ونُسف المنزل بأكمله.

18 ساعة معاناة

تلك كانت بداية قصة الشاب هيثم جبريل قبل أن تُقصف شقته في التصعيد الأخير على قطاع غزة، ويُصبح منزله الذي لطالما حلم به وزوجته وأبناءه رمادًا لا يستطيع حتى استعادة أغراضه منه.

يقول جبريل لـ"فلسطين" عن بداية مأساته: "منذ الساعة الخامسة فجرًا ذهبت مع زوجتي إلى مجمع الصحابة الطبي في مدينة غزة، فهي كانت في حالة مخاض وبعد معاناة تزيد على ثماني عشرة ساعة عدت بعدها إلى المنزل منهكًا جدًّا أحتاج إلى الراحة".

ويضيف وهو ما يزال يتذكر اللحظات الأخيرة التي ترك فيها منزله: "عدت إلى المنزل الساعة الحادية عشرة مساءً، وكنت بحاجة إلى قسط طويل من الراحة والنوم، لم أرد على هاتفي رغم عشرات الاتصالات التي جاءتني في هذه الليلة إلا أن تعبي منعني من الرد عليها".

حلم العمر

ويتابع قوله بقهر على منزله الذي دُمر: "فوجئت بأصوات عالية جدًا في منزلي، النوافذ تتساقط، الزجاج يتطاير من جميع الجهات، لا أدري هل حلت بنا صاعقة أم ماذا، حينها سمعت صوت التكبيرات بسبب التهديد بقصف المنزل".

ويكمل قوله وهو تحت تأثير الصدمة: "خرجت من منزلي الذي وضعت فيه كل ما أملك، منزل العمر الذي كنت أحلم به، خرجت وتركت خلفي مصاغ زوجتي وأوراقي الرسمية وأموالي، كل شيء ذهب بلا عودة".

ويقول: "بالكاد استطاعت زوجتي التي أنجبت قبل القصف بساعة واحدة فقط؛ أن تخرج سيرًا على الأقدام من حلاوة الروح، وبالكاد استطاع أطفالي أن ينزلوا عن سلم المنزل وهم مستغرقون في النوم، كان المشهد تراجيديًا مأساويًا لا يمكن وصفه أبدًا، خرجت بملابسي التي أرتديها دون أن أحمل حتى كنزة صوفية أو سترة أحمي فيها نفسي في هذا البرد".

ظلم كبير

ويضيف: "وضعت مبلغًا وصل إلى 130 ألف دولار في هذا المنزل، كان بيت العمر بالنسبة لي، فكل ما ادخرته في الأعوام الماضية وضعته في هذا المنزل، كي أعيش حياة جميلة، ولكن الاحتلال قضى على كل آمالي في هذا البيت".

ويمضي بالقول: "لم تكن العمارة السكنية التي أعيش فيها تشكل أي خطر على أحد، فكل من يعيش في العمارة هم معروفون تجار وأطباء، لا أدري ما الخطر الذي كانت تشكله هذه العمارة كي تُقصف، ويشرد كل أصحابها، ليبقوا هكذا بلا مأوى".

ويشير جبريل إلى أن ما تعرض له وعائلته هو ظلم كبير، وإجحاف بحقه وعائلته التي أصبحت بلا مأوى، تعيش مشردة وتبحث عن مكان آخر الآن لتعيش فيه.

ويتابع حديثه: "كانت زوجتي تنتظر بفارغ الصبر قدوم مولودنا، فاشترت له الملابس، ووضعتها في المنزل، ومع خروجنا ذهبت جميع ملابسه تحت القصف، حتى أنني من هول الصدمة نسيت المولود في المنزل وخرجت، وعدت مرة ثانية لإنقاذه".

آثار الصدمة

ما يزال جبريل يعيش تحت آثار الصدمة التي تلقاها بقصف المنزل الذي يعيش فيه، فهو حتى لم يستطِع حمل ملابس له ولأولاده، واضطر لأخذ ملابس من أقربائه كي يقي نفسه وأولاده من الهواء البارد في الشتاء.

ويقول: "الحمد لله على كل شيء، الحمد لله أننا استطعنا الخروج من المنزل هكذا دون أن يصاب أحد من أطفالي أو زوجتي بأذى، الحمد لله أنني استيقظت قبل أن تقصف العمارة كاملةً".

ويطالب جبريل الجهات المختصة بالعمل على إنهاء معاناة سُكان العمارة التي تدمرت، وبقي أصحابها في الشوارع دون مأوى لهم، وهم لا يمتلكون شيء من مقومات الحياة، فقد فقدوه في بيوتهم التي قصفت.