ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. كلمات من نور تجلت واقعا عمليا في جولة التصعيد الأخيرة. فشلت يهود في خداع غزة، واختراقها أمنيا، و نصب الأفخاخ لها، حين تصدى لها أبطال خانيونس ممن يحفظون كتاب الله في صدورهم، وفشلت قوات الجيش وطائراته في تحقيق نصر سريع على المقاومة في غزة، على الرغم من الاستخدام المفرط للنيران وقصف المباني المدنية متعددة الطوابق، وتدمير فضائية الأقصى، وفندق الأمل.
وفشلت في مواصلة القتال بعد أن تلقت 400 صاروخ في أربعين ساعة، بشكل لم تكن الاستخبارات الصهيونية تتوقعه. وكانت علامة الفشل الرئيسة بعد ذلك هي استقالة وزير الجيش ليبرمان من الحكومة، ودعوته لإجراء انتخابات مبكرة، واتهامه نتنياهو بالفشل، في إدارة التهدئة وإدارة المعركة.
ليس للفشل أب، هذه هي العادة، ومع ذلك يمكن القول بأن الحكومة، والجيش، والاستخبارات، يتقاسمون الفشل، كل في مجال عمله، ويمكن القول بأن المقاومة وغزة انتصرت بشكل أو بآخر، رغم الخسائر المادية في المباني. غزة الجريحة المحاصرة تغلبت على جراحها وعلى حصارها، وتصدت لغطرسة العدو ونيرانه، وقالت الكلمة الأخيرة: الدم بالدم، والقصف بالقصف، والبادي أظلم. غزة المقاومة لم تخضع لتهديدات الاحتلال، ولا لعنجهية ليبرمان الشرير، وألقت به بعيدا على الحكومة، وجعلته أضحوكة للمستوطنين، ولا أظنه بقادر على ترميم سمعته في الانتخابات القادمة.
غزة انتصرت على العقوبات، وعلى الحصار، وكشفت للعالم أن دولة العدو لا تحترم كلمتها، ولا تفي بتعهداتها، وتتنكر في أقرب فرصة للوساطة المصرية وغيرها، ومن ثمة استطاعت حماس أن تضع دولة العدو في مأزق دولي، وإقليمي، وداخلي أيضا. وكذلك وضعت من استخف بالمقاومة وبصواريخها، ومن زعم أن حماس باعت القضية بالدولار والأموال القطرية في مأزق أخلاقي، وفي مأزق آخر وطني مع الشعب الفلسطيني في كل مكان، وقالت للفلسطينيين عامة: إن من يفرط بقوته، وبمقاومة شعبه، على مائدة مفاوضات عبثية، لا يستحق مقعد القيادة، ولا يستحق تمثيل هذا الشعب العظيم.
إن زلزال شرق خانيونس كان قويا على مقياس ريختر وكان البداية، وكان القتال الفدائي الشرس هو مركز الزلزال، وجاءت موجاته الارتدادية الأولية شديدة باستقالة ليبرمان، وننتظر الموجات الارتدادية الأخرى في الأيام القادمة. وهذا تدبير الله أولا وأخيرًا، وليس آخرًا.