بموازين القوى العسكرية التي يعرفها القاصي والداني، فإن انتصار الضعيف على القوي أمر مستحيل، فكيف انتصرت غزة المحاصرة والضعيفة على دولة الصهاينة التي تمتلك من السلاح التكنولوجيا والمعلومات والاقتصاد ووسائل التدمير ما تعجز عن مواجهته عدة دول في المنطقة؟
بعد التدقيق في المشهد الكلي للجولة الأخيرة من المواجهة يمكن استشفاف مقاومات القوة لدى المقاومة، والتي كانت السبب في حسم المعركة في غضون 24 ساعة، وفرض معادلة الردع بالردع والدم بالدم والقصف بالقصف، والتي يمكن تلخيصها بالتالي:
أولاً: رغبة الشعب الفلسطيني في غزة بالمواجهة، والتفاف كل فئات الشعب الفلسطيني خلف المقاومة، والتسليم بأن المقاومة قائدة للشعب، وممثل وحيد شرعي لمصالح الفلسطينيين، وقد تجسد ذلك في عشرات آلاف المشاركين في تشييع شهداء خانيونس السبعة.
ثانياً: انتظام القوى السياسية والتنظيمية في غرفة العمليات المشتركة، والتي كانت بمنزلة وزارة الدفاع الفلسطينية، التي ضمت كل تنظيمات المقاومة، حيث شكلت وحدة البندقية عاملاً حاسماً في النصر، بالتالي فإن من يقود ميدان المعركة مؤهل لقيادة الساحة السياسية.
ثالثاً: قرار المقاومة بالرد على تسلل الوحدة الخاصة، هذا القرار الجريء عكس إرادة شعب، وعزم مقاومة على خوض المعركة مهما كلف الأمر، ومهما كانت النتائج.
رابعاً: الصاروخ المضاد للدبابات، "كورنيت"، والذي أحرق الحافلة الصهيونية، وأحرق آخر أمل بالنصر لدى الصهاينة، بحيث جاءت توصية الجيش للمستوى السياسي بعدم دخول غزة مباشرة بعد إطلاق الصاروخ المرعب، والذي أجبر الجيش على تشكيل لجنة تحقيق لمعرفة هدف المقاومة من العملية، ولا سيما بعد تصوير المشهد الذي حرص الصهاينة على إخفائه.
خامساً: صاروخ المقاومة الذي أطلق على مدينة عسقلان، ودمر مبنى من ثلاثة طوابق، لقد تفاجأ الصهاينة بدقة التصويب، وبالقدرة التدميرية لصواريخ المقاومة.
سادساً: تحييد القبة الحديدية، حيث أظهرت المقاومة قدرة عجيبة في التشويش على هذه الصناعة الإسرائيلية التي تفاخرت بها العسكرية الإسرائيلية، وقدمتها للعالم كإبداع منقطع النظير، لقد اعترف الصهاينة أن القبة الحديدية لم تعترض إلا مئة صاروخ مقاوم من أصل 460 صاروخاً أطلقت في أقل من أربع وعشرين ساعة.
سابعاً: افتقار العدو الإسرائيلي للمعلومة، وهذا يؤكد تنظيف البلد من العملاء.
سابعاً: غياب الأهداف العسكرية، وافتقار القيادة العسكرية إلى بنك أهداف يوجع المقاومة والشعب، لذلك كان قصف فضائية الأقصى دليل عجز وضعف، وكان قصف بيوت المدنيين رسالة إرهاب تضر بـ(إسرائيل) وتحرجها أمام العالم أكثر مما ترعب الفلسطينيين وترهق مقاومته.
ثامناً: لا أبالغ لو قلت إن غالبية الناس في قطاع غزة كانت ضد وقف إطلاق النار، ومع مواصلة المواجهة، وكانوا على استعداد لتحمل تبعات القصف والتصعيد لأيام طويلة، وكان أهل غزة فخورين بشبابهم وأولادهم وهم يقاتلون أقوى دولة في المنطقة بجهد ذاتي في معظمه، وهم الشباب الذي لم يأخذ دورات تدريبية في الصين وفيتنام، ولم يسافر خارج حدود غزة، ولم يحمل رتبًا عسكرية، ولا يتسلم رواتب عالية، وإنما حمل عقيدة قتالية تؤكد الثقة بالنفس، وتؤمن بالله القادر على تطوير القدرات، وتغيير الواقع لصالح شعبنا رغم الحصار، ورغم العقوبات، ورغم التحالفات العدوانية.
ولمن يتشكك في نصر غزة أقول: بتوجيهات من الأجهزة الأمنية المتمثلة برئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، هرتسي هليفي، ورئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، ناداف أرغمان، رئيس الموساد، يوسي كوهين، ورئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، مئير بن شبات، وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر على التهدئة مع غزة، دون تصويت.
وهذه سابقة أمنية تشير إلى التسليم بقدرات المقاومة وتفوقها، كما قال دوتان جباي في هآرتس: أنا متأكد أن هنالك تقديرات أمنية كثيرة، ومحاذير عسكرية أخذها مجلس الوزراء المصغر بالحسبان حين اتخذ قراره بوضع ذنبه بين رجليه، والموافقة على وقف إطلاق النار مع غزة.