أريد أن أذهب إلى غزة , وهناك سأصبح (ابو عكرمة الغزاوي) ..سيجدون لي عملا في غزة , ربما صيادا في بحرها , ربما مقاتلا في الكتائب أو مذيعا في تلفزيون الأقصى , وربما عاشقا على أطراف خان يونس يرتجي البحر أن يرد له الحبيبة .
في غزة ..لايوجد غزة الغربية وغزة الشرقية , لايوجد سيارات
بنمر حكومية تقل (المقاومين) , والبندقية تحمل بيد (أبو عبيدة ) و (أبو
قتادة) لايوجد للمقاوم لقب معالي أو عطوفة أو سعادة ..ولا يقولون له :
(جيرة الله يا بيك ع العشا) ...يوجد شباب ينتظرون الموت , ويقبلون به قدرا لأجل أن تبقى غزة حية .
أريد الذهاب إلى غزة , على الأقل لايوجد مجموعات من الليبراليين الذين
يمضون ليلتهم , في الحديث عن الحرية والدولة المدنية ..يوجد خلايا مقاتلة
تمضي ليلتها في رصد الطائرات ونقل الذخيرة , وإذا أسعفهم الوقت قليلا قد
يأكلون (دقة غزاوية) ..ومن ثم يعودون للرصد , وكل واحد منهم يتوقع أن تأتيه
القذيفة الغادرة , وقد وضع وصية لدى (أم العيال) ..ولا يدري متى ستفتح
الوصية .
هل يوجد تكنوقراط
في غزة ؟ ...يوجد (تكنوشطة) ..وأنا من هذا التيار تيار (التكنو شطة) ..الذي
لم يطور صواريخه في شركة (لوكهيد مارتن) , والذي لم يستثمر في وادي
السيلكون , والذي لم يتعاقد مع (رولز رايس) لتطوير محركات طائرات الإستطلاع
...كل ما في الأمر أن الشباب وبعد أن أنهوا وجبة الصيادية مع الشطة ,
وقفوا في ورشة صغيرة مخفية , وهنالك طوروا صواريخهم ..وطوروا القذائف ,
وصنعوا منصات غاية في الدقة لصواريخهم.
(الشطة ) في غزة تنتج مقاومة وعشقا ووطنا , بالمقابل التكنلوجيا في إسرائيل لم تنتج ..سوى الرعب الذي يتلوه رعب .
أريد أن أذهب إلى غزة , على الأقل لن يحسبوني على تيار الليبراليين , أو
الإخوان ..أو على تيار الدولة المدنية , أو على تيار الحقوق المنقوصة
..هناك سيحسبونني على الموت وحده , سيحسبونني على الشهادة وحدها ..وعلى
المخيم وحده , ربما على مخيم المغازي ..ربما النصيرات أو الشاطيء , ربما
مخيم دير البلح أو بيت لاهيا ..وهؤلاء في قاموس الشرف القومي والإسلامي ,
هم الفهرس هم مرجعية المؤرخ والمؤلف ..هم الكرامة وهم العروبة حين تنفذ
العروبة ...وهم الذين سرت الرمال صباحا إلى خطاهم وصعدت أسفل القدم ..قبل
أن تطأها القدم , أي شعب هذا الذي يتشرف الرمل أن يحمي خطاه ؟ ويحفها
بالمجد .
سأذهب إلى غزة , حاملا معي الصفيح والشطة ..وبندقية لا تحتاج
لترخيص لأن الرخصة هناك سهلة جدا , ففلسطين وحدها تمنحك رخصة شهيد ورخصة
مقاتل ورخصة بطل ...وسأسكن مخيما قريبا من بحرها ..ففي غزة أنت لا تذهب
للبحر هو يأتيك إلى باب المنزل ويمنحك الصدف والحب ..من قال أن المقاوم
يمشي للبحر كاذب , البحر يأتيهم ويتبرك بأقدامهم ثم يعود لمرقده ...
لقد أمضيت ليلتي أمس وأنا أتابع صواريخكم يا أهل غزة ,وصدقوني أن هنالك
الملايين من الشباب العربي أمضوا ليلتهم أمس .. يراقبون وهج الصواريخ
ويتمنون في لحظة , لو أنهم معكم في قلب المعركة ..لو أن دمهم سال مع دمكم
..ولو أن أكتافهم التحمت مع أكتافكم ..مع صبركم العظيم ...أنتم لم تنتصروا
فقط , لكنكم جعلتم كل مسلم في هذا العالم , وكل عربي وكل حر شرف ..جعلتموه
يتمنى لو أن غزة مسقط رأسه ...ومستقره الأخير وتراب شهادته ...
رعاكم الله يا خيرة السادة.. وأول الشهداء ..
الرأي الأردنية