العملية الإسرائيلية الفاشلة التي استهدفت عناصر من حركة حماس مساء الأحد الماضي، تؤكد أن (إسرائيل) لا توفر أي فرصة ولا تغامر بتضييع أي هدف مهما كانت الظروف السياسية، ولا تكترث بانهيار التهدئة أو بقائها، كما لا تكترث بأي وسيط دولي، وأصبح واضحاً أيضاً أننا أمام نظام أمني وعسكري لا يحكمه السياسيون ولا يلتزم بما يلتزمون به.
لكن دلالات العملية الإسرائيلية التي استهدفت القطاع لا تتوقف عند كون (إسرائيل) لا تكترث بالتهدئة ولا بالوساطات السياسية، ولا توفر هدفاً فلسطينياً إلا وتقتنصه على الفور، وإنما تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، بسبب طبيعتها العسكرية وتوقيتها الحساس الذي يدور فيه الحديث عن تهدئة بوساطة مصرية. أما أهم وأبرز الدلالات التي يمكن الإشارة لها بشأن هذه العملية الإسرائيلية:
أولاً: الحكم على نجاح العملية أو فشلها لا يتم بناء على الخسائر البشرية من كل طرف، لأننا لسنا أمام حرب تقليدية، ولا ميزان عسكري، لكن الفشل الإسرائيلي يتجلى في أن العملية كانت تهدف لاختطاف قيادي من حركة حماس، على الأغلب أنه الشهيد نور بركة، الذي حصل مؤخراً على درجة الماجستير، وهذه العملية تعني أن (اسرائيل) كانت تريده حياً، لأنها لو أرادت اغتياله لاستخدمت القصف الجوي وليس الإنزال البري، بعد أن حددت موقعه بالضبط. وهذا معناه أن الرجل مخزن أسرار مهم، وفقاً للتقديرات الإسرائيلية، ولذلك أرادوا اعتقاله حياً لا اغتياله والتخلص منه. وما داموا قد فشلوا في ذلك فقد قضى الرجل بما لديه من أسرار وخرجت (إسرائيل) من العملية بمقتل ضابط اسرائيلي من الوحدة التي نفذت العملية.
ثانياً: الوساطة المصرية حول التهدئة ليست محل احترام من قبل الإسرائيليين، وهذا يعني أنه يتوجب البحث عن مزيد من الضمانات الدولية الملزمة لـ(إسرائيل) في حال وافقت حركة حماس على التهدئة، كما يتوجب أيضاً معرفة إن كان الجهاز الأمني الإسرائيلي يلتزم بما يلتزم به السياسيون. وفي حال كانت الحكومة الإسرائيلية على علم بهذه العملية ووافقت عليها سلفاً، فهذا يعني أن تل أبيب ليست مهتمة بالتهدئة مع القطاع، وأنه لا توجد ضمانات لاستمرار التهدئة بعد التوصل إليها، حيث أن (إسرائيل) يمكن أن تنقض عليها عند أول قيادي من حماس تستطيع الوصول إليه.
ثالثاً: الاستخفاف بالجانب الفلسطيني، والوساطة المصرية، وتنفيذ عملية بهذا الشكل وبكل ما تتضمنه من توغل عسكري بري مدعوم بغطاء جوي، لم يكن ليحدث لولا موجة التطبيع العربي غير المسبوقة مع (إسرائيل)، بل موجة الارتماء في الحضن الإسرائيلي، بما في ذلك السباق الخليجي لإقامة علاقات مجانية مع تل أبيب.. وإلا فلماذا لم تعد (إسرائيل) تكترث بغضب المصريين وتخييب مساعيهم، لولا أن القنوات المتعددة مع العالم العربي أصبحت مفتوحة، وأن أي توتر في العلاقة مع مصر والأردن (الأصدقاء التقليديين) يمكن تعويضها بالعلاقات مع دول عربية أخرى!
رابعًا: من المؤكد أن (إسرائيل) أرادت اختبار القوة العسكرية لحركة حماس، وأرادت أيضاً اختبار رد فعل جهازها المسلح بعد كل هذه السنوات من الحصار المفروض على قطاع غزة، ويبدو هذا الاختبار مهماً من الناحية الاستخبارية بالنسبة للإسرائيليين قبل البدء بأي فترة تهدئة. وربما أرادت تل أبيب أيضاً إجراء هذا الاختبار قبل أن تتخذ قراراً بشن (أو عدم شن) حرب شاملة على قطاع غزة، إذ في الحروب السابقة كانت تقديرات الأجهزة الاسرائيلية لقوة حركة حماس خاطئة على الأغلب، وانتهت الحروب الثلاث السابقة التي استهدفت القطاع بدون أي نتائج.
خلاصة القول، إن (إسرائيل) منيت بخسارة جديدة في هذه العملية، ورغم أن الهدف من العملية الذي هو الشهيد نور بركة ليس معروفاً للرأي العام، إلا أنه بكل تأكيد كان رجلاً مهماً وكانت (إسرائيل) تريده حياً لتحصل منه على ما تيسر من معلومات، وإلا لما دخلت في هذه المغامرة التي كادت تنتهي بخطف الضابط الاسرائيلي، لولا أنه قتل على الفور في مكانه. أما من الناحية الأخرى فمهم جداً القول إن التطبيع العربي المجاني مع (اسرائيل)، والسباق الخليجي نحو تل أبيب، يتحمل جزءاً من المسؤولية عن هذه الغطرسة الإسرائيلية.
القدس العربي