يومان هما مدة المواجهة الأخيرة بين المقاومة والاحتلال، حيث أظهرت بوضوح شكل الصراع في هذه المرحلة مع الاحتلال الذي يريد أن يستبيح غزة، ويعمل ضدها في العلن، والتسلل إلى العمق، ضمن عمل عسكري واستخباراتي، لكن من الصعب أن ينجح في تحقيق أهدافه كل مرة، فكانت له المقاومة بالمرصاد، وفي المواجهة التي حدثت يظهر للجميع بما لا يدع مجالًا للشك، أن معادلات الصراع والمواجهة تتغير وتتبدل لمصلحة المقاومة، وانكفاء الاحتلال وصده عن اختراق الساحة الوطنية.
المواجهة كشفت أن صراع الأدمغة على أشدُّه بين المقاومة والاحتلال، وأن عملية خانيونس هي جزء من هذا الصراع، إلا أنها هذه المرة خرجت إلى العلن، وحققت المقاومة عدة إنجازات في ضربة واحدة، وفي الوقت نفسه سجلت عبرًا ونتائج، في أقلها مواصلة البحث عن خيوط العملية وكيف حدثت، ومن ساعد الوحدات الخاصة في اختراق الساحة؟ وهذا أمر طبيعي أن يحدث في العمليات المشابهة، فما بالنا عندما تكون استخباراتية ومعقدة! وهذا يحتاج إلى وقت مناسب لفكفكة خيوط العملية التي لم تنتهِ بعد، لأهميتها.
المؤكد أن مجريات المرحلة الأولى من العملية أن الاحتلال فشل فشلًا ذريعًا، وهو ما عدَّه محللون صهاينة ضربة قاسية تمس صورة الوحدات الخاصة التي رُسِمت لها خلال السنوات الماضية، وتدل على أن الاحتلال لا يمتلك الأدوات المناسبة لجمع المعلومات عن المقاومة، ما اضطره للذهاب نحو التدخل المباشر في غزة، محاولًا تحقيق إنجاز أمني استخباراتي عملياتي من خلال وحدة خاصة تتصف بأنها أفضل وحدة خاصة في الجيوش، لكن غاب عنه أن قادة المقاومة وعناصرها يقظون ولديهم مهارات عالية واستفادوا من الأحداث السابقة، وهو ما جسده القيادي القسامي الشهيد نور بركة، وتمكن من كشف العملية، وإيقاع خسائر مباشرة في صفوف الاحتلال، ولولا التدخل المباشر من طائرات الاحتلال، لكنّا أمام إبادة الوحدة الخاصة أو وقوعها أسيرة في يد المقاومة بغزة، وبذلك نكون أمام إنجاز للمقاومة، وهذا ما يتطلب مزيدًا من الحيطة والحذر.
تبع ذلك صورة منظمة للمقاومة الفلسطينية عسكريًّا من خلال غرفة العمليات المشتركة التي قدمت صورة جديدة للعمل المقاوم المنظم والدقيق كما حدث في استهداف باص الجنود شرق جباليا، وشاهد الملايين دقة المقاومة في اختيار الهدف، ووفق رؤية المقاومة في إيصال رسالة المقاومة التي تعتمد على قدرتها على الوصول للجنود وإمكانية الفتك بهم، لكن لا ترغب في الذهاب نحو الحرب، لاعتبارات لها علاقة بأن المقاومة تسير بمسارات عدة في العلاقة مع الاحتلال.
بينما الصورة التي جاءت من غلاف غزة، الذي اشتعل الليلة الماضية غضبًا على قيادته، بسبب فشله واستسلامه للمقاومة، ووصفها بأنها قيادة مستسلمة وخانعة لغزة، وفي المقاوم كان الآلاف يخرجون في غزة دعمًا للمقاومة وما حققته من إنجاز، وإن كان محدودًا، لكن يؤكد أنَّ المقاومة تحوز دعمًا شعبيًّا واسعًا، وأن غزة ليست صيدًا سهلًا للاحتلال، وهو ما تردد صداه في شوارع رام الله بدعم صمودها ودعم مقاومتها.