كانهمار دمعات الفخر والفراق من عينيه، يحتشد الناس ليربتوا على كتف الطفل عبد الرحمن نور بركة، شقيق أخواته الوحيد بعد أن غيبت رصاصات الاحتلال الغادرة والده، تاركًا له وصية تبرق في نظراته.
والد عبد الرحمن (13 عامًا) كان قائدا ميدانيا في كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، واستشهد أول من أمس في المناطق الشرقية من خانيونس جنوب القطاع.
في ذلك المكان، تسللت قوةٌ إسرائيلية خاصة مستخدمةً مركبةً مدنية اكتشفتها قوةٌ لكتائب القسام، والتي عملت على تثبيت المركبة والتحقق منها، كما حضر إلى المكان القائد الميداني في الكتائب بركة للوقوف على الحدث، وإثر انكشاف قوة الاحتلال بدأ مقاتلو الكتائب بالتعامل معها ودار اشتباك مسلح أدى إلى استشهاده؛ بحسب بيان "للقسام".
خالد أبو مصطفى الذي كان رفيقا للشهيد في ذات المسجد، يعرفه مذ كان عمره 14 عاما, حريصا على الالتحاق بحلقات القرآن، ويهب وقته وكل حياته لفلسطين والدفاع في سبيل الله.
والشهيد حصل في سبتمبر/أيلول الماضي على درجة الماجستير في الفقه المقارن، وكان عنوان دراسته "الإهمال في العمل الجهادي".
ويضيف أبو مصطفى لصحيفة "فلسطين"، أن بركة "التحق بركب المجاهدين مبكرا، وكان يبحث عن الشهادة إلى أن ارتقى بهذه الطريقة".
ويشهد أصحاب الشهيد وزملاؤه له –والكلام لا يزال لـ"أبو مصطفى"- بشجاعته وجرأته، واصفا إياه بأنه "قدوة للمجاهدين في تحمله وصبره وأخلاقه".
كما يصفه بأنه "رجل الجهاد والقارئ للقرآن بالقراءات العشر المعلم لكتاب الله، العابد الزاهد".
ويقول: "كان يصوم يوما ويفطر آخر منذ سنوات طوال، ويعلم طلابه في حلقات الفقه دون كلل أو ملل، ويحرص على صلة رحمه التي لم يقطعها يوما رغم أن له من الأخوات والعمات والأرحام الكثير (...) كان خادما للناس عطوفا عليهم.
ولطالما كان بركة يحرص على الإخلاص في عبادته لله، ويغضب إذا سأله أحد إذا ما كان صائما أم لا، عادًا ذلك أمرا خالصا لله، كما يتابع أبو مصطفى.
والمرة الأخيرة التي رآه فيها أبو مصطفى كانت في المسجد، عندما كان "نور" جالسا والمصحف في يده.
ويشهد بيت عزاء الشهيد حشودا تتوافد ويرقبها طفل الشهيد، ذو الوجه المدور كقمر اكتمل للتو، لكنّها لا تمنع عينيه من أن تتحدثا عن حزنه لفراق أبيه, فبعد اليوم لن ينطق لسانه بكلمة "يابا"، وفي الوقت نفسه تبدو نفسه رضية بما حققه والده.
لعبد الرحمن الذي يدرس في الصف الأول الإعدادي، خمس أخوات يكبرهن، ولا تزال وصية والده له ترن في أذنيه، وكأنما لا يزال يشاهده وهو يخبره بها.
بم أوصاك يا عبد الرحمن؟ يستدعي الطفل الكلمات ويحاول التقاط الأنفاس قائلا: "قال لي: دير بالك على خواتك وأمك واحذر من أصدقاء السوء".
اختتمت حياة بركة، القائد في "القسام"، بالشهادة لكنه ترك في هذه الدنيا طفلا فيه من الفهم والقناعة ما يكفي ليكبر على درب الصالحين.
مراقبان: انسجام فصائل المقاومة عزز قوة ردها على جريمة خان يونس
غزة/ أدهم الشريف:
جاء رد غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية على جريمة الاحتلال الإسرائيلي شرقي خان يونس جنوبي قطاع غزة، ليعكس حالة الانسجام بين الفصائل في مواجهة الاحتلال، وفق مراقبين سياسيين.
وقال المراقبان في حديثين منفصلين لصحيفة "فلسطين"، إن هذا الانسجام عزز قدرة المقاومة في الرد على جريمة اغتيال 7 مقاومين من كتائب عز الدين القسام خلال تصديهم لقوة إسرائيلية تسللت شرقي خان يونس، مساء أول من أمس.
وردًا على ذلك، أعلنت الغرفة المشتركة أنها استهدفت حافلة تقل جنودًا إسرائيليين بصاروخ "كورنيت"، وإطلاق سلسلة رشقات صاروخية صوب المستوطنات والمواقع العسكرية التابعة لجيش الاحتلال، في "غلاف عزة".
وعدَّت الغرفة في بيان، أمس، إفشال المقاومة للعملية شرقي خان يونس، والتصدي لجنود القوة الخاصة الإسرائيلية "مؤشرا جديدا على أن المقاومة هي محط آمال شعبنا، وحامية أرضه والأمينة على قضيته ومستقبله".
جاهزية عالية
وإذ يصف الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، جريمة الاحتلال "بـالغادرة، والدقيقة والخطيرة جدًا، تخللها التوغل في قطاع غزة واستخدام أجهزة الكترونية"، يقول إن كتائب القسام نجحت في التصدي لقوة جيش الاحتلال الخاصة.
ونبَّه عوكل إلى أن الأوساط السياسية والعسكرية في (إسرائيل) كانت تعتقد أن الحديث عن جهود للتوصل إلى تثبيت وقف إطلاق النار بجهود مصر والأمم المتحدة، أضفى حالة من الاسترخاء لدى الفصائل العسكرية بغزة.
وذات الأوساط الإسرائيلية، بحسب عوكل، توقعت أن تنجح العملية مئة بالمئة في شرقي خان يونس، ولو كانت تعتقد أن العملية ستفشل إلى حد يقتل فيه قائد القوة الخاصة، ويجرح آخر من الضباط الإسرائيليين، لكان امتنع جيش الاحتلال عن تنفيذها.
ولفت إلى أن الجاهزية عالية لدى كتائب القسام، وهي لم تركن إلى التهدئة، وقد تعلم الجميع من التجارب مع الاحتلال الذي لا يثق به أحد.
وتابع: "كل المرات التي جرت فيها تهدئة كانت (إسرائيل) لا تتوقف عن الانتهاكات، ولذلك جاء الرد موضعيا وسريعا وأدى إلى فشل ذريع للعملية الإسرائيلية".
وعدَّ عوكل إصدار بيان موحد عن الغرفة المشتركة ردًا على جريمة الاحتلال، يعكس شكلا متقدما من التنسيق والانسجام بين الفصائل العسكرية مع المستوى والموقف السياسي.
وقال: "القسام عندما تعرض لعناصر القوة الإسرائيلية واشتبك معهم، أطلقت في نفس الوقت بضعة صواريخ وقذائف ضمن ردها الموضعي المهم والناجح بشدة، ولم يذهب بعيدًا في الرد حتى لا يعطل قرار القيادة السياسية بشأن وقف إطلاق النار".
عيون ساهرة
من جهته، رأى المختص في الشؤون الإسرائيلية، عادل شديد، أن عملية جيش الاحتلال شرقي خان يونس مخطط لها منذ فترة طويلة.
وأوضح شديد أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، عندما صدق على توصيات وزير جيشه ووزير أركان الجيش، كان على ثقة بهذه الأطراف بأن العملية ستنجح تمامًا، ولن يتم كشفها.
وأضاف أن نتنياهو وافق على تنفيذ العملية ظنًا أن الصيد ثمين هذه المرة، وتستحق ذلك، محاولاً بذلك إفشال جهود تثبيت وقف إطلاق النار.
وعدَّ أن اكتشاف كتائب القسام للقوة الخاصة الإسرائيلية وملاحقتها ومحاصرتها وقتل قائدهم "نجاح كبير وانتصار وإفشال للعملية الأمنية الاستخبارية الإسرائيلية"، مشيرًا إلى أن "لا أحد يشكك في هذا".
ورجح شديد أن قيادة الاحتلال راهنت أن الوساطات القطرية والمصرية والأممية خلقت حالة من الهدوء لدى "القسام"، لكن ما حدث شرقي خان يونس، كشف العكس، فكتائب القسام ما زالت عيونها ساهرة ويقظة وكأنه لا يوجد تهدئة.
وأشار إلى أن فصائل المقاومة في غزة على مستوى عالٍ من المسؤولية، وهناك حالة من الانسجام في الرد على انتهاكات الاحتلال، لافتًا إلى أهمية دور حركتي حماس والجهاد الإسلامي في ذلك.