في ذكرى الراحل ياسر عرفات نتذكر رجولته وحنكته القيادية. عرفات كان الأقرب إلى الشعب ممن جاء بعده. من جاء بعده فرض عقوبات جائرة على الشعب في غزة. العقوبات الظالمة تعبر عن أبعاد الشخصية التي فرضتها. يقولون في التشخيص النفسي والسلوكي إن عباس بعيد عن الشعب، وإنه معجب بنفسه لدرجة الغرور، ولذلك أقصى جل رجال عرفات وأبعدهم عنه. ويقولون كان عرفات متسامحا مع خصومه، ومع الفصائل، والصورة التي استأثرت بمساحات النشر في المواقع هي صورة عرفات وهو يسقي الماء للشيخ أحمد ياسين، في حين لا نجد لعباس صورة إنسانية مع قادة من حركة حماس، لا قبل الانقسام ولا بعده.
يقولون في علم النفس إن من يعجب بنفسه، ويحبها كثيرا، يفقد كثيرا من حبه للناس، ولا يرى في الآخرين أهلا للحب، والشراكة، ويرى الأكثرين على خطأ وهو من يتفرد بالصواب. من درسوا خصومة عباس مع دحلان رأوا أنها تجاوزت الاختلاف والنزاع وسكنها الحقد والرغبة في الانتقام، وربما تكون هذه المعاني هي التي تسكن علاقة عباس مع حماس.
عرفات تسامح مع رجال من الجهاد الإسلامي حين اعتدوا عليه في نزعة انفعال وغضب لشهيدهم عابد في المسجد العمري الكبير، ويومها خرج من المسجد حافي القدمين، ولم ينتقم من أحد منهم رغم معرفته بهم، لأنه قدر معنى الانفعال والغضب الذي قد يستبد بالإنسان عند الغدر بقائد ما. ولكن هذا المعنى لا يتوفر بشكل جيد عند عباس الذي زعم يوما أن حماس حفرت نفقا لاغتياله، وهو زعم لا أساس له من الصحة، وقد نفته حماس .
المثير هنا، والدافع لما تقدم من معانٍ، أن عباس في ذكرى عرفات أمس خطب بالناس، واتهم (حماس وإسرائيل وأميركا) (هكذا؟) بالتآمر عليه، وهدد حماس وغزة بعقوبات قاسية جديدة، واستنكر دخول الأموال القطرية لغزة، وعدها مؤامرة، وتمريرا لصفقة القرن، ولو أنصف نفسه وشعبه ومن يستمعون له في هذه الذكرى لأحيا طريق عرفات في التعامل الذكي والمتسامح مع الفصائل والخصوم، ولما لجأ إلى التهديد المنافي لمفاهيم القيادة الحكيمة.