يوافق اليوم الأحد، الذكرى الـ14 لاغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، في 11 تشرين الأول/ نوفمبر سنة 2004، فيما لا يزال الغموض يلف قضية اغتياله رغم ما كشف من حقائق، ولم يعلن بعد عن القاتل.
ووثقت قناة "الجزيرة" في تموز/يوليو 2012 في تحقيق استقصائي لها؛ أن عرفات اغتيل باستخدام البولونيوم المشع، مستندة إلى تقرير لمعهد الطب الشرعي التابع لجامعة لوزان في سويسرا، حيث أجرى الخبراء السويسريون الفحص على عينات من آثار لدم وبول وجدت على بعض المقتنيات الشخصية لعرفات، ووجدوا معدلات عالية من البولونيوم.
ويقول الناطق باسم التيار الإصلاحي في حركة "فتح" عماد محسن، إن 14 سنة انقضت على اغتيال الرئيس عرفات بعدما أعلنت (إسرائيل) على لسان رئيس وزرائها آنذاك "أريئيل شارون" بشكل واضح لا لبس فيه أنه "يريد التخلص" من عرفات؛ وكانت أمريكا أعطت الضوء الأخضر لـ(إسرائيل) لتنفيذ جريمة الاغتيال، وظهر ذلك واضحًا في تصريحات مسؤوليتها الكبار.
وبذلك بقيت الأدوات والجهة التي ستنفذ الاغتيال بشكل مباشر؛ لكن بعد هذه السنوات وبعد آلاف الصفحات التي كتبت، ولجان تحقيق التي شكلت، لم يتوصل شعبنا الفلسطيني إلى معلومة واحدة صادقة يمكن أن يبني عليها بقية أركان ملف الجريمة، كما يقول محسن لـ"فلسطين"، في اتصال هاتفي.
وعدَّ أن هذا "يعني أن الجهات التي تُصدر التعليمات والأوامر تعمدت أن تخفي هذه الحقائق طيلة السنوات الماضية عن الشعب الفلسطيني الذي من حقه أن يعرف من يقف وراء اغتيال رئيسه، وكيف اُغتيل، وأداة تنفيذ الجريمة أيضًا"، مشيرًا إلى أن كل ما يعرض ويناقش في وسائل الإعلام غير مستند إلى وثائق لجان التحقيق.
حتى عندما أعلن المؤتمر السابع لحركة "فتح" عن تشكيل لجنة للتحقيق في اغتيال عرفات، منعت ولم يتَح لها مجال أن تخوض في هذا الجانب، مضيفًا: "استمعنا كثيرًا لمسؤولين في السلطة عندما قالوا في السنوات الماضية إن لديهم ما يمكن أن يقولونه لجهات التحقيق بإشراف عربي فلسطيني ومؤسسات حقوقية، لكن أحدًا لم يطلب شهادتهم بعد، وهذا يعني أن هناك حالة تكتم على الجريمة وعلى المجرم الحقيقي، والأشخاص والفئات التي نفذت الاغتيال".
وعدَّ أن التقصير في كشف لغز اغتيال عرفات جريمة يحاسب عليها القانون، وتواطؤ، فالقانون واضح وصريح من حق الجمهور أن يعرف من هي الجهة التي تتآمر على الشعب الفلسطيني وتخفي عنه الحقائق.
في حين يقول رئيس مركز فلسطين للدراسات الاستراتيجية إياد الشوربجي؛ إنه حسب التحقيقات والقناعة الراسخة لدى الكثيرين، أن لجنة التحقيق الفلسطينية تشكلت على خلفية التحقيق الصحفي الذي بثته "الجزيرة".
وشدد الشوربجي في حديثه لـ"فلسطين"، على أن عرفات شكل حالة رمزية عالية في وجدان الشعب الفلسطيني، واغتياله كان صدمة في أوساط محبيه.
وتابع: "اغتيال عرفات فتح بابًا مهمًا لأن تشكل السلطة لجنة تحقيق رفيعة المستوى، وقد كان ذلك حرجًا بعد تحقيق الجزيرة، والأصل أن تتشكل من تلقاء نفسها، أو تتشكل بمجرد اغتياله، إلا أن ذلك لم يتحقق إلا بعد بث الجزيرة لتحقيقها الاستقصائي، وإثارة الرأي العام لهذه القضية المهمة".
ورأى أن هذه اللجنة لم تكن جادة بالكيفية الحقيقية، والدليل على ذلك أنها لم تخرج بأي نتائج، للرأي العام، تحدد من هو القاتل، أو تحدد نتائج التحقيقات التي جرت، هذا إن جرت أصلاً.
ونبه إلى أن مثل هذه اللجان هي فقط لامتصاص غضب الرأي العام، وتسويف الشارع الفلسطيني الذي ألح على سؤال من قتل ياسر عرفات، ومن المسؤول داخليًا؟
وأضاف: "معلوم أن مخابرات الاحتلال الإسرائيلي هي المسؤولة عن اغتيال عرفات، لكن لدى الأوساط المطلعة والمتابعة؛ هناك تواطؤ وأيدٍ داخلية كانت شريكة في تنفيذ الاغتيال".
ورجح الشوربجي أن التحقيقات التي أجرتها السلطة قد طالت أسماء معينة، لذلك لم تكتمل، في وقت لا تمتلك السلطة إرادة جدية في مواجهة القاتل الحقيقي وهو الاحتلال، وهي لن تجرؤ على البوح بتحقيقاتها أو الصدام مع المستويات الأمنية الإسرائيلية، لأن لذلك ثمن باهظ، وهذا يجري تحت مظلة التنسيق الأمني.
وتساءل: كيف لسلطة تتعاون وتنسق أمنيًّا مع (إسرائيل) وأجهزتها الاستخبارية، وفي ذات الموضع تتهمها باغتيال الرئيس ياسر عرفات؟ مضيفًا: "هذا تناقض جوهري في الممارسة السياسية الفلسطينية الرسمية".
ونبَّه الشوربجي أيضًا إلى معوق ثالث وهو على المستوى الدولي؛ يرتبط بخشية السلطة من إثارة قضية اغتيال عرفات دوليًا لما قد يجلبه لها من عقوبات دولية وأمريكية تحديدًا، ومن بعض الأوساط الأوروبية؛ وبذلك بقي السؤال مطروحًا فلسطينيًا؛ من الذي تواطأ وقتل عرفات؟!