25 وظيفة هي عدد الوظائف التي أعلنت عنها النيابة العامة في الضفة الغربية لتشغل منصب "معاون النيابة"، إلا أنها أثارت جدلًا واسعًا، وضجيجًا كبيرًا بين عموم الحقوقيين والمتقدمين لها، في إثر تجاوزات إدارية وغموض كبير حملته المسابقة منذ الإعلان عنها بتاريخ 3 سبتمبر الماضي.
تلك الوظائف التي اختلط فيها "الحابل بالنابل" ووصل اعتماد أسمائها إلى مكتب رئيس السلطة محمود عباس، رأى حقوقيون ومتقدمون لها أنها وصلت في إجراءاتها الإدارية وتجاوزاتها المتعددة إلى "درجة الفساد"، مطالبين بفتح لجنة تحقيق في كواليس إجراء المسابقة ومعرفة تفاصيلها الحقيقية لاختيار "معاون النيابة".
صحيفة "فلسطين" سلطت الضوء على المسابقة، وتحققت من الأسباب الرئيسة التي جعلت المشاركين في المراقبة يرفضون سياسة النيابة العامة، في مراحل المسابقة ودعواتهم إلى تشكيل لجنة تحقيق.
ويتهم المشاركون في الرقابة على المسابقة والاختبار، النيابة العامة، بأنها فضلت "توظيف أبناء المسؤولين على من هم أصحاب كفاءة".
وبالعودة إلى الأشهر السابقة، فإن أنس، نجل محمود الهباش، مستشار رئيس السلطة للشؤون الدينية والعلاقات الإسلامية، حصل على 53% في الثانوية العامة، ليحصل على وظيفة بعد انتهاء دراسته الجامعية، وليترقى بها من معاون نيابة إلى وكيل نيابة، وفق إعلان رسمي من النيابة العامة بتاريخ الـ26 من يونيو 2018م.
الإعلان عن المسابقة وتفاصيلها
النائب العام في الضفة الغربية أحمد برّاك أعلن بتاريخ 3 سبتمبر الماضي عبر موقع النيابة العامة وصفحتهم الرسمية في "فيس بوك" عن حاجتهم لتعيين معاوني نيابة للعمل في محافظات الضفة، وفقًا للشروط المقررة في قانون السلطة القضائية والمعايير ومتطلبات عدة.
ومن تلك المتطلبات حصول المتقدم للوظيفة على شهادة البكالوريوس في القانون، وإجازة مزاولة مهنة المحاماة الفلسطينية، أو موظف في إحدى الدوائر أو المؤسسات الحكومية، أو أحد الأجهزة الشرطية أو الأمنية على أن يقدّم ما يفيد بموافقة المؤسسة التي يعمل بها على الترشح للوظيفة، واجتياز المقابلة الشفوية والتحريرية والمقابلة الشخصية.
وتعاملًا مع مبدأ الشفافية والنزاهة في المسابقة، تقدمت النيابة العامة بطلب لمؤسسات حقوقية ونقابية، للمشاركة في المسابقة ولجنة اختبارات التوظيف، إلا أن الهدف الذي سعت إليه النيابة العامة فُقد لعدم إطلاع المراقبين والمشاركين على تفاصيل الإعلان كاملة أو إجراءات المسابقة والاختبار.
توزيع غير عادل
ووفق متابعة "فلسطين" بلغ عدد الطلبات المقدمة للمسابقة 1400، استوفى منها الشروط 810 طلبات، يتنافسون على 25 وظيفة، موزعة على 103 موظفين حكوميين يتنافسون على 20 وظيفة، و5 وظائف يتنافس عليها 707 متسابقين من شريحة المحامين.
التقسيمة السابقة للوظائف، التي اعتمدتها "حكومة الحمد الله" بعلم من النيابة العامة، لم يبلغ بها المشاركون في كلّ إجراءات التعيين، وهم (نقابة المحامين، المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة"، ومؤسسة أمان، والهيئة المستقلة لحقوق المواطن).
المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (ديوان المظالم) عمار دويك، أوضح أن الخلل الأساسي في المسابقة، يتعلق بقرار حكومة الحمد الله والخلل الذي ألزم وجود 20 وظيفة محتجزة للموظفين الحكوميين.
عدم تكافؤ الفرص
وقال دويك لـصحيفة "فلسطين" تعقيبًا على مشاركة موظفين حكوميين في المسابقة: "إذا دققنا فيهم نجد أن جزءًا كبيرًا منهم لم يعين وفق الأصول، إما بتعيين مباشر دون مسابقة أو منافسة وإما من خلال العقود أو قرارات رئاسية بالتعيين المباشر".
وأوضح أن حكومة الحمد الله أعطت الأولوية لموظفي العقود، والموظفين الحكوميين في التعيين في النيابة، مضيفًا: "كان الأولى أن تكون وظيفة (معاون النيابة) متاحة للمواطنين للتنافس عليها على قدم المساواة ودون تمييز".
ووفق ما جرى في المسابقة، فقد حصل "الموظفون الحكوميون" المتقدمون لـ"معاون النيابة" على وظائفهم السابقة دون تنافس، فيما أعطوا فرصة كبيرة جدًّا للتنافس على وظيفة "معاون النيابة"، في سبيلٍ أدى لعدم وجود تكافؤ للفرص بين المواطنين والموظفين الحكوميين.
تجاوزات غير قانونية
وفي حديث خاص مع ممثل نقابة المحامين في المسابقة، إسماعيل حسين، أكد لصحيفة "فلسطين"، وجود مغالطات تجاوزات غير قانونية وغير صحيحة.
وقال حسين: "انسحبت النقابة من لجنة الاختبارات بقرار من مجلس النقابة، وطالبنا بوقف التعيينات أو منع إجرائها لمخالفتها الإجراءات المتعارف عليها"، مشيرًا إلى أن قضية تعيين موظفي النيابة تراوح مكانها، دون أي جديد.
وأوضح النقابي، أن النقابة خاطبت رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ورئيس الوزراء رامي الحمد الله، ووزير العدل علي أبو دياك، وديوان الرقابة الإدارية والمالية للوقوف عند مسؤولياتهم.
سجال إعلامي
وفي بيان للنقابة، تلقت "فلسطين" نسخة منه، طالبت رئيس السلطة بعدم المصادقة على أي تنسيب لمعاوني النيابة كنتاج لعملية غير شفافة وتفتقر لمعايير النزاهة، داعية وزير العدل وديوان الرقابة لتشكيل لجنة تحقيق مشتركة للوقوف على إجراءات المسابقة، وإعلان نتائجها للجمهور.
وشدد البيان على أن "الاختيار لم يتفق ومبدأ تكافؤ الفرص والمساواة ولم يتماشَ مع معايير الشفافية والمصداقية".
وعلى خلفية الإجراءات التي صدرتها نقابة المحامين لوسائل الإعلام، وعموم المحامين، أصدرت النيابة العامة بيانًا تتهم فيه نقابة المحامين، بأن موقفهم من الاختبار "يقوم على مغالطات واتهامات لا أساس لها من الصحة والدقة، ومن باب خلط الأوراق".
وقالت في بيان لها ردًا على انسحاب نقابة المحامين من لجنة الاختبار: "انسحابهم يهدف لأغراض ومواقف شخصية لدى بعض أعضاء النقابة الذين يريدون فرض بعض الأسماء للتعيين وشطب بعضٍ على الرغم من نتائجهم".
تفاصيل التجاوزات
وحول ما رصدته نقابة المحامين من تجاوزات، أكد عضو مجلس نقابتها أمجد الشلة لـ"فلسطين"، وجود أسماء تقدمت للمسابقة، تم تعجيل تنسيبها للمسابقة دون اطلاع من ممثل النقابة أو علمه بوجودها.
وقال الشلة: "أجريت المقابلات الشفوية وتصحيح الاختبارات وإصدار الدرجات، دون وجود ممثل نقابة المحامين، وليفاجأ ممثل النقابة بإبلاغه بقائمة الأسماء الناجحين دون علمه بنجاحهم أو عدمه".
وفي بيانها، أكدت نقابة المحامين وجود إجراءات لتعيين أشخاص لم يجتازوا الامتحان الكتابي، مؤكدة أن تجاهل هذه التجاوزات والاستمرار في عملية التعيين ستدفع إلى تأزيم العلاقة داخل منظومة العدالة لتنعكس سلبًا على ثقة الجمهور بها.
"أوراق الإجابات لم تغلق بإحكام"
إبراهيم البرغوثي، المدير العام لـ"مساواة"، أوضح أنه وخلال مشاركة "مركز مساواة" في المراقبة على الاختبار التحرير، لاحظ مراقب المركز عدم إغلاق أوراق الاختبار بإحكام، الأمر الذي لا يحول دون التعرف إلى شخصية مقدمها وصاحبها في أثناء التصحيح.
وبين البرغوثي لصحيفة "فلسطين" تقديمهم ملاحظات نقدية على الامتحان الكتابي، فور وقوعها، دون اتخاذ أي مقتضى قانوني بشأنها كـ"عدم إغلاق أوراق الإجابات بإحكام"، داعيًا إلى ضرورة إعادة المسابقة، وتبرير تجاوزات المسابقة والاختبار "قانونًا".
وعبر البرغوثي عن ذعره لعدم تمكين النيابة العامة، للمؤسسات الحقوقية من ممارسة إرادتها في الرقابة على عملية تصحيح الاختبار أو عملية المسابقة الشفوية، لعدم علمهم بموعد ومكان انعقادها، ومن سيقوم به وما الدور المناط بالمراقب للرقابة عليه، موضحًا أن هذه الإجراءات مخالفة لمعايير المهنية ومبدأ الشفافية والنزاهة.
وشدد على اعتراضه لتلك الإجراءات وانسحاب "مساواة" من لجنة المسابقة، بالقول: "هذه الوظيفة لها صفاتها وسماتها الخاصة، تتصل بضرورة التطبيق السليم لأحكام القانون على الجميع وضرورة ضمان حقوق الإنسان في الوصول إلى العدالة والمحاكمة العادلة".
التدوير الوظيفي خطير
الحقوقي البرغوثي، حذر من خطورة إعمال سياسة التدوير الوظيفي بين السلطة التنفيذية وأجهزتها الأمنية للوصول إلى "معاون النيابة"، مشيرًا إلى أن الإعلان عن الوظيفة غير واضح بكامل التفاصيل.
وقال: إن "إعمال سياسة التدوير الوظيفي ومبدأ توافر الاعتمادات المالية في وظائف النيابة العامة، تؤثر في مبدأ الاستقلالية، للنيابة العامة والقضاء"، مستنكرًا عدم بيان كامل تفاصيل الوظيفة في الإعلان.
وأضاف: "لو علمنا بأن الوظيفة تعتمد على مبدأ التدوير الوظيفي لاعتذرنا عن المشاركة بصفتنا مؤسسة مجتمع مدني طلب منها من قبل النيابة العامة بالمشاركة في عضوية لجنة الاختبار بصفة مراقب".
وتابع: "إذا كانت النيابة العامة حريصة نزاهتها فمن باب أولى أن تحرص على استقلاليتها"، متسائلًا: كيف للنيابة العامة أن تتحجج بأن الاعتمادات المالية لدى الحكومة لا تسمح لنا إلا بالاستعانة أو باعتماد التدوير الوظيفي من السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية؟!
عضو مجلس النقابة، أمجد الشلة أكد في نفس السياق، عدم قانونية "التطوير الوظيفي" قائلًا: "إنه ووفق القانون الصرف فإن التدوير الوظيفي غير قانوني".
موظف من يومين
وكشفت مصادر نيابية لصحيفة "فلسطين" وجود "موظفين حكوميين حصلوا على عقد عمل قبيل المسابقة بأيام، ليتاح لهم المشاركة فيها، وترسيم أسمائهم في إطار التدوير الوظيفي.
وأوضحت تلك المصادر أن "بعض الموظفين وقعوا عقد قبل الامتحان بـ48 ساعة وأصبح موظفًا عامًا، تنطبق عليه شروط المسابقة، ومنهم أبناء مسؤولين، وصلوا إلى مرحلة التعيين".
المتسابقون يحتجون
ورفض متسابقون تقدموا للاختبار إجراءات المسابقة التي تمت بعيدًا عن الشفافية والموضوعية، مؤكدين وجود المحسوبية في إجراءاتها المختلفة.
واعترض متسابقون في حديثهم لصحيفة "فلسطين" على إعلان الوظيفة ومشاركة موظفين حكوميين، في ظل شح الوظائف التي تعيشها الضفة الغربية، متهمين القائمين عليها بـ"عدم وجود توزيع عادل للوظائف".
المحامي والمتسابق مازن جرادات، اعترض بشدة على عرض الوظيفة للموظفين الحكوميين، والمحامين، وعدم التوزيع العادل بينهما، قائلًا: "كل سنة يحدث نفس الشيء".
وأضاف جرادات والذي شارف على انتهاء دراسة الماجستير في القانون الجنائي: "لم أبلغ بعلامة الامتحان الكتابي، وهذه الوظيفة معنيون بأناس معينة، كأبناء المسؤولين وأقربائهم".
المحامي الذي تخرج عام 2015م، ويعمل في مكتب للمحاماة، وبعد شهر سيفتتح مكتبًا خاصًا، تابع: "اللي أبوه أو قريبه مسؤول هو من يحصل على الوظيفة، ويحدث ذلك كل سنة، وقدمنا للوظيفة ونحن نعلم أنه لا يوجد لدينا نصيب".
وقال متسابق آخر فضّل عدم الكشف عن اسمه: "إجراءات المسابقة كانت خلافًا للمعايير التي أعلن عنها، وتميزت بالمحسوبية".
وأبدى المحامي الذي تخرج في جامعة الخليل، اعتراضه على سياسة التدوير الوظيفي قائلًا: "إذا كان موظفون مبدعون في النيابة العامة، ويستحقون الترقية في عملهم، لماذا لا يتم ترقيتهم لمدير مكتب نيابة، أو منصب مناسب له دون معاون النيابة لأهمية وحساسية الوظيفة؟".
وتساءل: الذين أخذوا استحقاقهم في الوظيفة، لماذا يأخذون حق غيرهم؟ مستنكرًا وصول أبناء المسؤولين إلى الوظيفة.
"فوضى التعيين"
سامي صرصور رئيس مجلس القضاء السابق، أكد أن الضفة الغربية تعيش "فوضى التعيين" في قطاعات مختلفة كالقضاء والنيابة والتوظيف العام، مشيرًا إلى أن الوضع القضائي هزيل ويتجه من سيئ لأسوأ.
وقال القاضي صرصور لصحيفة "فلسطين": "إذا أصبحت أي قضية لها علاقة في الرأي العام، لا تمشي القضية"، رافضًا تغول السلطة التنفيذية على السلطة القضائية.
وأضاف: "وظيفة معاون النيابة حازت اعتراضًا كبيرًا من جهات حقوقية ونقابية ومحامين، رفضًا لما وصوفه بتوظيف أبناء المسؤولين في هذه الوظيفة".