في اجتماع لم يعلن عنه جمع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون، ووزير جيشه آنذاك شاؤول موفاز، برئيس الوزراء الفلسطيني حينها محمود عباس والقيادي في فتح محمد دحلان، قال شارون لعباس: "يجب التخلص من عرفات"، فرد عليه: "نحن بصدد نزع صلاحيات عرفات عن العسكر والمال، وسنسوي الأمور، وموضوع التصفيات خارج إطار أي بحث".
لكنشارون قال له: "لو نزعتم كل صلاحيات أبو عمار سيبقى هو صاحب القرار طالما كان حيًّا.. يجب التخلص منه".
بسام أبو شريف مستشار الرئيس الراحل ياسر عرفات وصله محضر الاجتماع وأبلغ الرئيس بتفاصيله، وسرد ما خفي في حوار أجرته معه صحيفة "فلسطين" أمس، في الذكرى الرابعة عشر على اغتيال عرفات.
يقول أبو شريف: "إن شارون وعد المجتمعين معه بأنهم إن جاؤوا بشخص يضمن لهم عدم تنفيذ أي عملية فدائية ضد الاحتلال، فإنه مستعد للجلوس وتقديم تفاهمات "محزنة" بالنسبة لـ(إسرائيل)".
رسالة لعرفات
ويضيف: "سبق لي أن قلت شفهيا وكتبت بخط اليد رسالة لعرفات قبل دس السم له، مفادها أن الاحتلال ينوي تصفيته جسديا"، لافتًا إلى أنه كتب رسالة تحذيرية لعرفات بعد تصريح شارون خلال لقاء عقده مع الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن وعد فيه الأخير فيه بعدم المساس جسديًّا بعرفات.
ويتابع: "بعد تصريحات شارون وصلت للنقطة التي رجحتها، وهي إمكانية استخدام أساليب لتصفية عرفات بحيث لا تشير إلى ضلوع (إسرائيل) في الجريمة"، موضحًا أن عقب ذلك عمم أبو عمار الرسالة على كل القيادات الفلسطينية ووضع علامة بالقلم الأسود تحت الجمل المهمة.
ويردف أبو شريف "لقد دعوت عرفات ورجوته أن لا يأكل من مطبخه، وألا يأخذ دواءً ولا ماءً من أحد، وتطوعت وعائلتي بأن نكون من يطعمه ويشربه الماء ويعطيه الدواء".
"علقت بعض قيادات السلطة على رسالتي السابقة ومنهم عباس بقوله: لا أثق ببسام وتقاريره"، والقول لأبو شريف.
وأردف "بعد ذلك جمع لقاء شارون ببوش، حرض خلاله الأول الأخير على عرفات بأنه يقود "الإرهاب" ويجب التخلص منه، وعلمت فيما بعد أن بوش صمت خلال الاجتماع الذي لم يرشح عنه شيئًا حينها، وهز رأسه بمعنى الموافقة على التخلص من عرفات".
واتهم أبو شريف بوش بأنه المسؤول الأول الذي أعطى الضوء الأخضر لشارون ومساعديه ومنهم موفاز، للعمل على تصفية عرفات، ودرس المخطط دراسة جيدة من مسؤول جهاز "الشاباك".
عقب ذلك تدهورت الحالة الصحية لعرفات تدهورا سريعا في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2004، نقلته على إثرها طائرة مروحية إلى الأردن ومن ثم أقلته طائرة أخرى إلى مستشفى بيرسي في فرنسا، وتم الإعلان الرسمي عن وفاته من السلطة في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام ذاته، وقد دفن في مبنى المقاطعة بمدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة.
ولفت أبو شريف إلى أنه "في اليوم الأول لاغتيال عرفات أصبح عباس رئيسًا للسلطة، وأخرجني من دائرة صنع القرار وأغلق مكتبي بقرار فوري".
وأضاف "لا يوجد أي جريمة اغتيال ترتكبها (إسرائيل) إلا وكان هناك عميل، ما سهل لها هذه المهمة، لقد نجحت (إسرائيل)، لكن الغزي والعار لمن يتعاون معها الذين لولاهم لما استطاعت النجاح بعملية واحدة"، منبهًا إلى أنه سيصدر كتابا قريبا بعنوان "السمك المالح" يحلل فيه وفق معلومات دقيقة كل عملية من عمليات الاغتيال التي ارتكبها الاحتلال.
وزاد: "مضت سنوات والبعض لم يقتنع برواية أن عرفات مات مسمومًا، رغم أنني عقدت مؤتمرات صحفية بذلك، وتوجهت إلى الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك، وقد توفي طبيب عرفات الذي كان متأكدًا من دس السم له، في ظروف فجائية".
وأشار إلى أن السلطة بعد سنوات من اغتيال عرفات، وتحقيق أجرته قناة "الجزيرة" الفضائية عام 2012 حول استخدام مادة "البولونيوم" في تصفيته، وافقت على إخراج رفات الرئيس الراحل لفحصه من السم.
وأبدى أبو شريف المتخصص في الكيمياء سخريته من ذلك قائلًا: "إن هذه المواد يمكن معرفة عمرها الزمني ببساطة، وكان البولونيوم كذبة كبيرة، ووصلني اسم السم الحقيقي من صديق في أمريكا، وهو اسمه "الثاليوم" حيث إنه سم لا طعم ولا لون ولا رائحة له، يمكن دسه بالماء والأكل وأي شيء، دون شعور الشخص به، يدخل لخلايا المذاق في نهاية اللسان، ويبدأ بتحطيم الجسم وكراته الحمراء ويصل للدماغ للقضاء على الإنسان".
وهو ذات السم الذي استخدمه الاحتلال في محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي السابق لحركة المقاومة الإسلامية حماس خالد مشعل، وفي اغتيال القيادي في الحركة محمود المبحوح في دبي، بحسب أبو شريف.
"الثاليوم"
ويعتقد أبو شريف أن إثارة نوع سم "البولونيوم" كان خدعة كبيرة لحرف أي تحقيق للوصول للنتيجة الحقيقية، مؤكدًا أن سم "الثاليوم" هو من إنتاج مركز الأبحاث البيولوجية الإسرائيلية.
ولفت مستشار عرفات إلى أنه في ذكرى رحيل عرفات الثانية عشر وقف عباس ليقول "إنهم يعرفون من دس السم لعرفات"، عادًّا عدم إثارة موضوع الاغتيال من البداية يهدف لتنويم القضية، كي لا تظهر الحقيقية، وحتى إن فتحت القضية بعد عدة يكون الرد الشعبي باهتًا.
وأكد أن "مصلحة المتهمين بالتغطية على جريمة اغتيال عرفات والصمت عليها هو عدم إثارتها، فلو أجري تحقيق كما يجري في قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي سيتم إدانة هؤلاء".
وعن ظروف اغتيال عرفات، أوضح أبو شريف أن الاغتيال جاء في توقيت اقتناع عرفات بأن (إسرائيل) لا تريد "التسوية" ولا تبحث عنها، وغير مستعدة لتطبيق الاتفاقية الموقعة التي لم تعجب قيادة السلطة حينها، ونقلتُ له أكثر من رسالة من (إسرائيل) بأنها لن تسمح لأي حكومة فلسطينية إقامة دولة.