اللسان يغرف من القلب، والرجل مخبّأ تحت لسانه، ولتعرفنهم في لحن القول. لذا فإن إجراء موازنة بين بعض التصريحات الإعلامية للعدو، وتلك التي تصدر عن قادة من حركة فتح، تكشف عن تباين خطير تبدو فيه بعض تصريحات فتح أشد عداوة وظلما من تصريحات العدو نفسه. خذ مثلا على ذلك تصريحات الأمس ٣/١١/٢٠١٨:
يقول عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" جمال محيسن، إن حركة "حماس" تسعى إلى إقامة دولة مسخ في غزة تكون مركزا لخلافة مزعومة ضمن "صفقة القرن". ويقول: "إن حماس منعت أي مقاومة مسلحة، وتمنع الآن المقاومة السلمية؟!".
ويقول عوفر شيلح النائب في الكنيست عن حزب هناك مستقبل: "إن إسرائيل فقدت ردعها العسكري في قطاع غزة، ولا تفعل شيئاً لتغيير الوضع هناك بسبب افتقار نتنياهو إلى العمل لذلك". "والنتيجة أن حماس هي من تقرر إذا كانت هناك حرب وتحقق مكاسب لها".
ويقول يؤاف غالانت وزير البناء والإسكان الإسرائيلي، عضو المجلس المصغر “الكابنيت”: إن تحسين الوضع الإنساني في قطاع غزة يعد مصلحة أمنية لإسرائيل. ويقول: "إن إسرائيل فاجأت حماس في الماضي ووجهت لها ضربات قوية، وإن إسرائيل في المستقبل ستفعل ذلك في حال اقتضى الأمر ذلك رغم أن خيار مواجهة واسعة في غزة سيكون خيارا أخيرا".
إنك إذا وازنت بين هذه التصريحات فقط دون إجراء عملية إحصائية شاملة تجد أن تصريحات محيسن الذي يمثل قيادات فتح أشد عداوة وظلما من تصريحات قادة يهود. الرجل يتهم حماس بأنها تسعى لإقامة الخلافة، وهذا لا تقوله (إسرائيل) نفسها؟! والرجل يقول إن حماس منعت المقاومة المسلحة والمقاومة السلمية؟! في حين تقول التصريحات الصهيونية إن حماس باتت هي من تقرر الحرب. وإن (إسرائيل) ضربت حماس بقوة في الماضي، وستضربها بقوة في المستقبل إذا اقتضى الأمر؟!
إن حقد فتح على حماس أعمى عيون محيسن، وأفقد الرجل العقل والتوازن، وحسب أنه يمكنه هزيمة حماس والحقيقة من خلال تصريحاته الحاقدة التي تبث الكراهية في الرأي العام، في حين كانت تصريحات العدو تصريحات من يملك عقله، ولا يركن لتضليل الرأي العام لطمس الحقيقة، لذا يجدر بقادة فتح استعادة توازنهم سواء نجحت حماس في إبرام تهدئة أو لم تنجح، فحماس لا تبحث عن دولة في غزة، ولا تبحث عن خلافة، بل تبحث عن تحرير، وحماية الحقوق الفلسطينية من تفريط المفرطين، وتبحث عن آليات لكسر الحصار، وإفشال العقوبات التي فرضها عباس ظلما وكراهية. وإذا كان محيسن منزعجا من التهدئة ويرى في نفسه بطولة الرجال الكبار فليسمح للمقاومة السلمية أن تأخذ دورها الطبيعي في الضفة، ناهيك عن المقاومة المسلحة، مع العلم أن ميدان الصراع الحقيقي بيننا وبين الاحتلال هو في الضفة الغربية.