لا يمكن انتظار تنفيذ قرار المجلس المركزي الانفصالي بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وتعليق الاعتراف به، دون الرجوع إلى ذات القرارات التي سبق أن أعلن عنها في دورات سابقة بدء من مارس/ آذار 2015، والتي بقيت حبرًا على ورق، مما يثير تساؤلًا عن سبب اتخاذ السلطة قرارات لا تستطيع تنفيذها؟!
وكان "المركزي"، قد قرّر في دورته الأخيرة 28 أكتوبر/ تشرين الأول، إنهاء كافة التزامات منظمة التحرير والسلطة مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وفي مقدمتها تعليق الاعتراف بـ(إسرائيل) إلى حين اعترافها بـ"دولة فلسطين" على حدود يونيو/ حزيران 1967 وعاصمتها شرقي القدس.
كما قرر في بيان ختام دورته العادية الـ30 والتي استمرت ليومين، وقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة، والانفكاك الاقتصادي على اعتبار أن المرحلة الانتقالية بما فيها اتفاق باريس لم تعد قائمة، وعلى أساس تحديد ركائز وخطوات عملية للاستمرار في عملية الانتقال من مرحلة السلطة إلى تجسيد استقلال الدولة ذات السيادة، وهي ذات القرارات التي صدرها في دورتيه السابقتين في يناير وأغسطس 2018، وأخرى في مارس 2015.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي فرحان علقم، أن ثمة عدة أسباب لعدم قدرة السلطة على تنفيذ قراراتها لاسيما التنسيق الأمني باعتباره الأقل كلفة عليها، وفي مقدمة ذلك أن السلطة لا تملك القرار، وتنسيق الأمر لا يرتبط باتفاقية أوسلو فقط وإنما له اعتبارات دولية والتزامات قانونية، لا تمكنها من التحرر منه.
ولفت إلى سبب آخر، وهو تقاطع مصالح العديد من الجهات المتنفذة في السلطة مع قدرة سلطات الاحتلال الإسرائيلي على إنفاذ تلك المصالح التجارية والأمنية، فضلا عن المصالح المدنية في الصحة والتعليم والمعابر، التي يتحكم بها الاحتلال.
ويعتقد علقم، أن مسألة وقف التنسيق تحتاج إلى إرادة سياسية وهي فعليًا منعدمة وليس من السهل على رئيس السلطة أن يذهب لمقامرة خاصة قد يترتب عليها احتلال مقر المقاطعة التي يجلس بها كما جرى عام 2004 "فالتنسيق الأمني مرتبط بأوسلو وإن كانت قد فقدت مصداقيتها ولا معنى لوجودها الآن، فالاحتلال أفرغها من مضمونها".
وأشار علقم، إلى أن ساسة إسرائيليين لطالما تحدثوا أن السلطة تحتاج التنسيق الأمني أكثر مما تحتاجه (إسرائيل)، خاصة لملاحقة عناصر المقاومة للحفاظ على تواجد السلطة، عادًا قرار "المركزي" الانفصالي ذراً للرماد في العيون، في ظل هجمات المستوطنين وتكرار اعتداءاتها وتهديدهم في أمن المواطنين الشخصي.
ثابت لا يمس
من جانبه، يعتقد الكاتب والمحلل السياسي عمر عساف، أن السلطة ليس لديها إرادة حقيقية لوقف التنسيق الأمني، مبينا أن هدف قرار المجلس الانفصالي إظهار أن مؤسسة منظمة التحرير ما زالت موجودة.
واستبعد عساف في حديث لصحيفة "فلسطين" قدرة السلطة على وقف التنسيق الأمني، خاصة أن اللجنة المشكلة لمتابعة تنفيذ القرار هي لجنة "عليا" أخرى، منفصلة عن اللجنة التنفيذية، وهذا يعني أن القرار بلا معنى.
ونبه إلى أن الأهم قبل اتخاذ القرار وجود آليات لتنفيذها، وهو ما لم تقدمه أو تعلن عنه السلطة منذ عام 2015، قائلا: "التنسيق الأمني ربما يكون الثابت الوحيد، الذي لم يمس بين السلطة والاحتلال، حتى عندما قطعت أمريكا مساعداتها عن السلطة، لم تقطعها عن الأجهزة الأمنية حتى يبقى التنسيق مع الاحتلال مستمرا".
ولا يجد عساف اختلافا بين القرار الجديد للمركزي عن القرارات السابقة التي لم تنفذ، عادًا ذلك استمرارًا لنهج السلطة في المراوحة في المكان، بهدف دفع سلطات الاحتلال للعودة للمفاوضات، منبهًا إلى أن الاحتلال يدرك أن السلطة ليست جادة في التعاطي مع قرار وقف التنسيق الأمني.
وقال: "في كل مرة كان يبحث فيها قرار وقف التنسيق الأمني كان يموت ويوضع على الرف". وتدلل هذه القرارات وفق عساف على استمرار التآكل وحالة الهبوط في المسار الوطني الفلسطيني، والمزيد من الانفصال عن الإرادة الشعبية والانعزال عن الوحدة الوطنية.