فلسطين أون لاين

شكلت نقطة تحوّل بتعاطي فلسطينيي الـ48 مع الاحتلال

مجزرة "كفر قاسم"..مخطط إسرائيلي فشل في تهجير الفلسطينين

...
شكل المثلث الجنوبي لكفر قاسم خنجرًا في خاصرة الاحتلال
غزة/ يحيى اليعقوبي:

إحداثُ نكبة تشرد جديدة كان هدف الاحتلال الإسرائيلي من ارتكابه مجزرة بشعة بحق أهالي قرية "كفر قاسم" داخل الأراضي المحتلة عام 1948، ونشر بلبلة في القرى والمدن المحيطة لبث الذعر والخوف ودفع الأهالي للهروب منها.

سريّة من جيش الاحتلال ارتكبت في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 1956، المجزرة التي تمر الذكرى الثانية والستون على ارتكابها، والتي راح ضحيتها 51 شهيدًا بينهم نساء إحداهن كانت حاملًا في الشهر الثامن.

تزامن ذلك مع أول يوم من العدوان الثلاثي على مصر، وقد كشف الباحث اليهودي آدم راز، عن مخطط إسرائيلي لترحيل سكان 27 قرية في منطقة المثلث شمال فلسطين المحتلة إلى الأردن إذا ما شاركت الأخيرة في الحرب.

وبعد نحو ساعة من بدء المجزرة أصدرت قيادة الاحتلال أوامر بوقف إطلاق النار على الأهالي، وفرضت عليهم بعد عام ونيّف "صلحة" عبرت عن استخفافها بالمواطنين وأرواحهم، وقدّمت "تعويضات" هزيلة لأهالي الشهداء والجرحى أكدت نهجها الإجرامي في تعاملها مع الفلسطينيين.

وقبل نحو شهر، توفي قائد الكتيبة الإسرائيلي يسخار شدمي، الذي أصدر الأوامر بتنفيذ المجزرة، وقد ذكر الباحث راز أنه سمع من شدمي نفسه أن الأوامر كانت شفوية، وصادرة عن جهات عليا في المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية.

لكن ما أراده الاحتلال من تهجير الأهالي وإحداث نكبة تشريد شديدة لم يحدث، وفق الكاتب والمحلل السياسي صالح لطفي، وبقي سكان "كفر قاسم" والقرى المحيطة وفلسطينيو الداخل المحتل متمسكين بهويتهم وعروبتهم وانتمائهم لفلسطين، ووصل عددهم إلى مليون ونصف المليون شخص في الداخل المحتل.

ما قبل المجزرة

ويستعرض لطفي لصحيفة "فلسطين"، الظروف السياسية التي سبقت تلك المجزرة، بقوله: إن زعيم المشروع الصهيوني منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى وفاته في السبعينيات دافيد بن غريون، الذي كان رئيسًا للوزراء ووزيرًا لجيش الاحتلال إبان الجريمة، أسس ذاك المشروع على عقيدتين: الأولى إقناع اليهود أن فلسطين لهم، والثانية تفريع الأرض من أصحابها.

ويضيف لطفي أن بن غريون، وبعد نكبة 1948، أدرك أن من تبقى من الفلسطينيين يشكلون خطرًا كبيرًا على مشروعه، وخاصة من هم في المنطقة ما بين الخضيرة وعسقلان، التي كانت بالنسبة له صلب المشروع الصهيوني، فحرص أن تكون خالية من العرب خاصة القرى المحيطة بمدينة يافا واللد والرملة.

كما شكل المثلث الجنوبي لكفر قاسم خنجرًا في خاصرة الاحتلال، وكان لا بد من التخلص من تلك القرى بإذاعة الخوف وتهجير أهلها، فارتكب المجزرة عام 1956، معتقدًا أن انتشار خبر المجزرة بين القرى المجاورة سيؤدي إلى هروب وهجرة الفلسطينيين، وفق لطفي.

ويتابع أن ما أراده الاحتلال لم يحدث، وشكلت المجزرة بالنسبة للفلسطينيين في الداخل المحتل نقطة تحول مركزية في تعاطيهم مع المحتل، مبينًا أن عدم خروج الفلسطينيين من بيوتهم إلى مناطق بالضفة الغربية وقطاع غزة، أعطى مؤشرًا للمجتمع الإسرائيلي أن العرب لن يكرروا نكبة 1948.

ومنذ عام 1977 حكم الاحتلال التيار اليميني "الإصلاحي"، واليوم يحكمه التيار الديني "المتطرف"، وتعاملوا مع فلسطينيي الداخل المحتل، على أن يعيشوا معًا تحت ولاء لليهود بحجة أنهم أقلية، وبناءً على هذا المنطق والفهم جاء "قانون القومية" مؤخرًا.

بين الأمس واليوم

ويربط لطفي بين جريمة "كفر قاسم" وما يحدث في قرية "الخان الأحمر" شرقي القدس المحتلة، من محاولة بدء مخطط تهجير نحو 46 تجمعا بدويا في مناطق "ج" بالضفة الغربية المحتلة، مبينًا أن الفرق بين المرحلتين هو أن أهل شرقي القدس يتعرضون لابتلاء مضاعف، كون أن هناك سلطة فلسطينية واحتلالا، فيعيشون بين حالة الجذب من السلطة وإملاءاتها وقوانينها وسياساتها وتعاملها الأمني والعسكري، والاحتلال وبطشه ومصادرته الأراضي.

ويشير لطفي إلى أن "التصاريح" التي يمنحها الاحتلال لأفراد من قرى فلسطينية ويفرض من خلالها تضييقًا وحصارًا عليهم خلال عملهم في الداخل المحتل، هو نفس الأسلوب الذي كان يتبعه في القرى المحيطة بـ"كفر قاسم"، ونفس الإجراءات التي يستخدمها في الحصار والتضييق.

ويعتقد أن الاحتلال اليوم وصل لنتيجة أن تجربة النكبة والتهجير لن تتكرر، مهما استخدم من إجراءات وفرض قوانين عنصرية وهدم منازل وصادر أراضي، واستخدم القوة ضد الفلسطينيين.