كانت المبادرة العربية للتسوية التي أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود تشترط الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، في مقابل تطبيع الدول العربية علاقاتها ( بإسرائيل). دولة العدو رفضت الشرط العربي، ورحبت ببقية المبادرة، وطالبت بالاعتراف والتطبيع دون شروط، أو قل طالبت بالتطبيع أولا، ثم البحث ببقية قضايا المبادرة.
ومن المعلوم أن المبادرة طرحت في عام 2001 م، وتحولت إلى مبادرة عربية بتبني الجامعة العربية لها بشكل كامل.
المبادرة ( السعودية) ، (العربية) لاحقا، ظلت مطروحة على الطاولة العربية، بحيث يتجدد طرحها سنويا في بيانات مؤتمر القمة العربية السنوية، ولكنها إسرائيليا ظلت حبيسة أدراج مكتب نتنياهو ، وحبيسة المطالب الإسرائيلية الداعية إلى تطويرها. كلمة (التطوير) الغامضة هنا كانت تعني إسرائيليا تقديم التطبيع العربي على الانسحاب وإقامة الدولة الفلسطينية، وربما كانت تعني في العمق الاستجابة للحل الإقليمي.
قادة دولة العدو الذين حبسوا المبادرة في الأدراج كانوا ربما قد خبروا الشخصية العربية القيادية نفسيا من خلال لقاءات الغرف المغلقة، وعلموا أنهم سيعيدون ترتيب الأولويات في المبادرة، وأنهم مضطرون للاستجابة لمطالب (إسرائيل)، ويبدو أنهم كانوا على حق، فهذا التطبيع يجري على قدم وساق مع (إسرائيل) ، لا سيما عند دول الخليج، حيث استقبلت عمان نتنياهو أخيرا، واستقبلت الإمارات وقطر وفودا رياضية، وقيل إن شخصية كبيرة من الأسرة الحاكمة زارت (تل أبيب) سرا، وقال نتنياهو : إن تحالفا عربيا إسرائيليا بدأ يتبلور وينضج في مواجهة الأخطار التي تحيط بالخليج العربي، وبـ(إسرائيل).
التطبيع يتعمق قلوب الملوك والرؤساء والأمراء كلما تقدم الزمن، وكلما تراجع موقف الرئيس عباس، الذي استقبل مبعوث السلطان قابوس بعد زيارة نتنياهو إلى عمان، وربما جاء هذا المبعوث إلى رام الله يحمل دعوة مشتركة من السلطان ونتنياهو للعودة للمفاوضات، وهذا شيء ممكن بل مرجح.
وهنا أودّ أن أُذكّر المتلقي الفلسطيني بما قام به القادة العرب من احتواء وإحباط للثورة الفلسطينية في عام 1936م، وما قاموا به من تفريط بفلسطين في عام 1948م، فهل ننتظر الآن احتواءً عربيًّا لعباس، وتضحية بالثورة الفلسطينية، وتفريطا بالحقوق، من خلال التطبيع العملي المعلن وغير المعلن مع المحتل، دون أن يتحقق شرط المبادرة العربية على ما فيها من سوء، حمل الفصائل الفلسطينية على رفضها في حينه. إن الدراسات والأبحاث كانت تتوقع ما يحصل الآن، وهي تتوقع تفعيل المطبعين الحلَّ الإقليمي كما يطرحه نتنياهو، والخلاص من القضية الفلسطينية إلى الأبد.