من إعدام المتظاهرين العزل إلى القصف بين الفينة والأخرى جرائم مستمرة يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، محاولًا إرسال رسائل متعددة، وفرض معادلة جديدة تقوم على تثبيت الردع.
"التصعيد المحسوب" هو المعادلة التي يحاول الاحتلال فرضها على القطاع، وفق ما يرى خبراء ومختصون بالشأن الإسرائيلي، إذ يحاول قادة الاحتلال ووزير الجيش أفيغدور ليبرمان الذي فشل في الالتفاف على مسيرة العودة، مع كل أساليب الترهيب والالتفاف بالوعود "الكاذبة"؛ تحسين صورتهم قبل الانتخابات الإسرائيلية المقررة.
ومن المقرر إجراء الانتخابات الإسرائيلية في شهر شباط (فبراير) 2019م، لكن مع الخلافات القائمة بين أقطاب "الائتلاف الحكومي" هناك ترجيحات لإجرائها مبكرًا نهاية العام الجاري.
ويرى المختصون أن الاحتلال هدف من التصعيد للتهرب من استحقاقات تثبيت التهدئة التي ترعاها مصر والأمم المتحدة، وتحديد شروط فك الحصار وتخفيفه.
وصعدت قوات الاحتلال من عدوانها الهمجي على قطاع غزة، حيث شنت مساء الجمعة وفجر السبت الماضيين سلسلة غارات على مواقع وأهداف متفرقة، وردت المقاومة بإطلاق العديد من القذائف والصواريخ صوب المواقع العسكرية الإسرائيلية في غلاف غزة.
ويأتي هذا التصعيد عقب جريمة قتل 5 فلسطينيين، وإصابة المئات بقمع قوات الاحتلال المشاركين في مسيرة العودة وكسر الحصار عند السياج الفاصل شرقي قطاع غزة، الجمعة الماضية.
استغلال فرصة
المختص في الشأن الإسرائيلي فرحان علقم يرى أن حكومة بنيامين نتنياهو أرادت من تصعيدها الأخير تصدير أزماتها الداخلية، إذ يواجه نتنياهو قضايا فساد ضده، مع قرب عقد الانتخابات الإسرائيلية.
ويقول علقم لصحيفة "فلسطين": "إن الجبهة المرشحة دومًا لتصدير الأزمات هي غزة، لكون ارتكاب الانتهاكات بحقها يرضي غرور اليمين المتطرف"، مستدركًا: "لكن قادة الاحتلال يسعون إلى تصعيد تحت السيطرة، دون اللجوء إلى مواجهة مفتوحة خوفًا من النتائج".
ويبين أن التنافس الحزبي الإسرائيلي، والوضع الإقليمي، مع التهافت العربي إلى التطبيع مع الاحتلال؛ يشجعان على التصعيد تجاه غزة، لتحقيق اختراق سياسي وعسكري.
ويعتقد علقم أيضًا أن التصعيد هو محاولة إسرائيلية للتهرب من أي استحقاقات لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار 2014م، خاصة مع الجهود المصرية لتثبيت هذا الاتفاق.
ويشير إلى أن غرفة العمليات المشتركة التي شكلتها الفصائل عام 2014م اكتسبت زخمًا في عملية الصد والرد على أي عدوان، وارتفعت مصداقية المقاومة عالميًّا، ولدى جبهة الاحتلال الداخلية، فالرد من غرفة العمليات المشتركة أكثر انضباطًا وإيلامًا.
خلافات وانتخابات
ويعتقد اللواء المتقاعد يوسف الشرقاوي أن الاحتلال يحاول فرض معادلة جديدة على قطاع غزة، وهي معادلة قصف مقابل تهدئة، لا "تهدئة مقابل تهدئة"، التي فرضتها المقاومة، بهدف كسب أصوات انتخابية جديدة.
ويقول الشرقاوي لصحيفة "فلسطين": "إن هذه الحيل لن تمر على المقاومة، وستبقى تدافع عن الشعب الفلسطيني والمشروع الوطني".
ويلفت إلى أن الاحتلال يحاول التهرب من الجهود المصرية والأممية في الوصول إلى اتفاق تثبيت وقف إطلاق النار، وأنه غير معني بدور مصري فاعل في غزة.
من جانبه يربط الخبير بالشأن الإسرائيلي عماد أبو عواد بين تصعيد الاحتلال على غزة والخلافات الحزبية بين قادة الاحتلال، فوزير جيش الاحتلال أفيغدور ليبرمان ووزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بنت يشعران أن التناقض بينهما يجب أن يكون في اتجاه كسب الملف الأمني في الانتخابات القادمة، والتأثير في الجمهور بذلك.
ويقول أبو عواد لصحيفة "فلسطين": "إن ليبرمان وبينت وصلا إلى يقين بأن حزب "ليكود" يستحوذ على الفكر الاستيطاني والتهويد، وهو الكاسب الأكبر في ذلك، ما يجعله قد يحصل – حسب التقديرات الإسرائيلية – على 35 مقعدًا في الانتخابات القادمة".
ويضيف: "الواقع يشير إلى أن هناك حالة عدم رضا في المجتمع الإسرائيلي عن أداء ليبرمان، لذلك يحاول بتصدير الأزمات إلى غزة تحسين وضعه الانتخابي".
ويعتقد في الوقت ذاته أن الاحتلال لا يرغب في التصعيد مع غزة، لكونه يريد الاستفراد بالضفة، وهو على أبواب انتخابات قادمة، وأنه يدرك أنه بالذهاب إلى حرب لن يحقق شيئًا، لأنه لن يستطيع إحداث تغييرات إستراتيجية بها.