كان معظم المرضى يرقدون على أسرة مستشفى "الإندونيسي" شمالي قطاع غزة، فعقارب الساعة تشير إلى الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل؛ لكن طائرات الاحتلال الإسرائيلي التي قصفت بخمسة صواريخ موقعًا للمقاومة، نغصت ليلهم كما أهالي القطاع.
لحظة القصف لم ينتبه المرضى والجرحى الجدد والمنومين في المستشفى لحالهم، الجميع حاول القفز من الأسرّة، إلى خارج ممرات المستشفى، بعض المصابين الذين لم يستطيعوا الحركة نتيجة إصابتهم الشديدة، أُجبروا على انتظار قدوم الممرضين لإخراجهم؛ فأجبروا كذلك على مشاهدة الصاروخ الثاني وهو يسقط على الموقع الذي لا يبعد أكثر من 100 متر.
"صاروخ" بعد "الرصاصة"
الجريح عبد الرحمن حميد "19 عاما"، اخترقت رصاصة أطلقها جنود الاحتلال قدمه اليسرى وتفجرت باليمنى خلال مشاركته في مسيرة العودة أول من أمس، أدخل غرف العمليات بمستشفى الإندونيسي، أجريت له عمليات طارئة وتركيب مثبت العظام الخارجي "بلاتين"؛ لكن الألم لم يسكن، ليعيش ألمًا مضاعفًا بعد القصف الإسرائيلي.
في وضع كحال الجريح حميد يتطلب راحة نفسية وهدوءًا ورعاية خاصة، كونه يبات ليلته الأولى في المستشفى، والألم ينخر جسده، لم تسكنه كل المهدئات التي أعطيت له، لم تجفّ دماؤه.
مع ساعات الظهيرة استطاع "حميد" النوم، كانت شقيقاته وعائلته يلتفون حوله، شقيقه التوأم عبد الله الذي عاش كذلك تفاصيل ليلة شقيقه الأولى بالمستشفى يقول: "عاش أخي رعبًا كبيرًا، لم تكن ليلة عادية، يمكنني وصف ما حدث أنه زلزال اهتزّ معه كل شيء في هذا المستشفى".
يشير حميد لقدم شقيقه اليمنى التي وضع عليها الأطباء مثبتًا خارجيًّا في حديثه مع صحيفة "فلسطين": "لم نتوقع أن نعيش ما عشناه، لأن الوجع في بدايته، أجرى شقيقي عملية جراحية الساعة الثامنة مساءً".
لا تفرّ لحظة القصف من حديثه.. "النوافذ تكسرت، المراوح المثبتة بالسقف سقطت، كحال مكعبات الجبس"، يكمل: "من شدة القصف والخوف صرخ أخي فقمت بسحب السرير خارج الغرفة؛ أحد المرضى في غرفتنا ركض يحمل محلولا طبيا، وآخر -وهو كبير بالسن- نسي فك وصلة الجهاز الطبي فسقط الجهاز على الأرض وهو يحاول القفز من السرير والخروج".
إصابة عبد الرحمن لم تكن الأولى، فقبل ثلاثة أشهر أصيب بفخذه اليمنى التي تفجرت بها رصاصة إسرائيلية وتعرضت لكسور كبيرة، لكنه ومع ذلك ظل محافظًا على المشاركة في مسيرات العودة، لم يتخلف جمعة واحدة.
بعد القصف
ومع ساعات ظهيرة، كانت العائلات تتوافد للمستشفى، الجميع يحاول الاطمئنان على مرضاه، فيما تقوم أطقم المستشفى بإحصاء ورصد الخسائر في الأجهزة والمبنى.
لكن الجريح عصام وشاح "36 عامًا" يدور بكرسيه المتحرك بين ممرات المستشفى، لا يريد العودة لغرفته خوفًا من تجدد القصف، فيقول: "كنا ممدين وحدث قصف عنيف، ارتفعت الأسرة الطبية واهتز المبنى بالكامل، وسقطت علينا أسقف المبنى المصنوعة من الجبس، رأينا النوافذ وهي تتكسر، وكشفت عن أوجاع الجرحى والمرضى".
وشاح الذي يجلس على كرسي متحرك بعد إصابته بطلق متفجر اخترق قدميه قبل أسبوع يضيف: "كانت الصواريخ مفاجئة، وسببت لي صدمة واكتئابًا، لأن لدي شريانًا مقطوعًا أجريت له عملية وصل".
أضرار كبيرة
من جهته، أكد مدير العلاقات العامة بالمستشفى الإندونيسي، د. معين المصري، أن المستشفى تعرض لأضرار كبيرة خاصة داخل غرف المبيت، بفعل القصف الإسرائيلي الذي أحدثت إرباكًا بين المرضى والمرافقين والممرضين.
وقال المصري لصحيفة "فلسطين": إن "القصف أدى لإخلاء المرضى والعاملين لأماكن أكثر أمنًا كالممرات، خاصة أن القصف استمر حتى ساعات الصباح"، لافتًا إلى أن تكرار القصف زاد الضرر بالمستشفى والمختبر ومداخل غرف العمليات والأقسام الحيوية بالمستشفى.
وذكر أن المستشفى يضم 100 سرير مبيت و10 أسرة للعناية المكثفة، و15 سريرًا للطوارئ، كانت معظمها ممتلئة بالمرضى وجرحى مسيرات العودة، مشيرًا إلى أنه استقبل 60 جريحًا من أحداث مسيرات العودة، أدخل منهم 15 جريحًا للمبيت.